م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - التطرف هو أحد الفروع الطبيعية للفكر الاجتماعي، ويظهر بشكل مؤثر في المجتمعات التي تعاني من قهر سياسي أو عوز اقتصادي أو هيمنة آيديولوجية.. أو يظهر كردة فعل في المجتمعات التي لا تعاني من أي مما سبق، لكنه تطرف ظهر في المجتمع استدعت مواجهته بتطرف مقابل.
2 - المتطرفون الذين يتصارعون سوياً ليس بينهم تناقض، فهم فئة واحدة، لأنهم يتسمون بذات السمة وهي التطرف.. والتناقض يكون بين المتطرفين وغير المتطرفين، فالمتطرف في تدينه مثلاً ليس على النقيض من المتطرف في ليبراليته، فكلاهما متطرف، وهم أعضاء في أسرة واحدة عنوانها التطرف، وما الصراع بينهم إلا شبيهاً بالصراع بين الإخوة الأعداء، وبقدر ما يشترك الإخوة الأعداء في النسب بقدر ما يشترك المتطرفون في التطرف.
3 - المتدين المتطرف ليس نقيض الملحد المتطرف، إنما النقيض لهما هو المتشكك الذي لم يتخذ موقفه بعد.. فهو يتردد بين الدين الذي يلتزم بأداء طقوسه، ومشاعر الشك التي تجتاح نفسه عن تلك الطقوس.. مما يجعل الإلحاد خياراً مفتوحاً أمامه.. وكذلك الحال ينطبق على الوطني المتطرف في وطنيته، فليس نقيضه الخائن لوطنه، إنما نقيضه المواطن المعتدل الذي يحب الحياة ولا يريد المغامرة بوطنه ومواطنيه.
4 - المتطرف لا يمكن نقاشه أو الجدال معه بالمنطق والحجة، ولا يمكن أن تطالبه بالمرونة.. فكيف تطلب من المتطرف أن يكون مرناً؟! وكيف يمكن أن يقبل المنطق أو يرضى بالحلول الوسط؟! فالمتطرف إيمانه بما يعتقده إيمان مطلق، وأي مطالبة له بالتسامح أو بالتنازل هي بمثابة نقض لإيمانه المطلق الذي يستسلم له بيقينية مفرطة.. وإذا انهزم الفكر المتطرف الذي يؤمن به فإنه لا ينتهج فكراً معتدلاً، بل يبحث عن مسلك متطرف آخر ينضم إليه، لأن التطرف قد أصبح عقيدة متأصلة في فكره.
5 - مشكلة المتطرفين أنهم غير مستعدين للتخلي عن هيمنة اليقين عليهم، وما جدالاتهم سوى حجج مكررة وليست دقيقة، وتستعرض القضية من وجهة نظر وحيدة هي وجهة النظر التي يريدون الانتصار لها وليس بحثاً عن الحقيقة.. لذلك ما يتم بينهم لا يمكن أن يصنف على أنه حوار، بل إنهم وفي أحيان كثيرة يقصدون في جدالاتهم الشخص المستمع وليس الشخص المجادل.. فكلاهما يعلم يقيناً أنه لن يقتنع وأنه لا توجد أرضية حقيقية للحوار بينهم.
6 - المتدين الذي يخلط بين الدين والتدين سوف يقع في حال من حالين: إما غلو وتشدد متطرف يجعل من أي اجتهاد معاصر في التأويل للدين اختراقاً للنصوص وانقلاباً على المنهج وارتداداً عن الدين.. وإما انحراف وتفريط وشك يصل إلى الإلحاد، فهو يفسر التغيير والاجتهاد على أنه خلل في أصل الدين ينفيه من أن يكون ديناً.
7 - المتطرف في تدينه ينظر إلى أن نقد الفكرة هو نقد للشعيرة، وأن نقد التأويل هو نقد للدين، رغم انفكاك الأمرين تماماً كانفكاك الدين عن التدين، فالدين عقيدة والتدين ممارسة تطبيقية لتأويل إنساني لنص إلهي.. ونقد التطبيق أو التأويل لا يعني نقد الدين ذاته بل نقد الفكر المُؤَوِّل أو ممارسة المطبق للتأويل.
8 - المتطرفون في تدينهم لا يرون في اختلاف الأئمة في التأويل رحمة للأمة وسعة للناس، ولا يرون أنهم في تطرفهم في تثبيت المتغير من التأويل لا يختلفون عن المتطرفين الذين يريدون تغيير الثابت من الدين.. ولا يرون أن تطرفهم في غلق باب الاجتهاد إنما هو صد لأمر الخالق العظيم في التفكر والتفكير، وأنهم بذلك لا يختلفون عن دعاة الكفر والإلحاد بنفي التفكر في الدين.
9 - الخلاصة لا بد من دراسة منهجية تخصصية لا انطباعية، وتشمل أنماط تَشَكُّل التطرف، وآليات انتشاره، ووسائل عمله، وعوامل تمدده وانحساره، وسماته وألوانه وتأثيره في المحيط الذي ينشط فيه.