د. طارق بن محمد بن حزام
كما تدور عقارب الساعة حول جميع أرقامها.. تدور بنا الحياة حول جميع الظروف لذلك يجب أن نحسن الدوران مع عقاربها.
الحياة ليست ميدانًا للمغالبة، بل مختبرٌ للإنسان كي يختبر نفسه قبل أن يختبر غيره. فالنجاح الحقيقي ليس أن تُحرز سبقًا على الآخرين، بل أن تُحرز نصرًا على ذاتك: أن تروض نوازعك، وتستقيم على قيمك، وتبقى وفيًّا لمبادئك حين تبهرك المغريات أو يرهقك الطريق.
كل ما نعدّه ثروة زائل... المال يذوب مع الزمن، والصحة تذبل، والجمال يخفت، والمناصب تتناوب بين الناس، لكن هناك ما لا يزول: قلبٌ نقيّ، وعملٌ صادق، وأثرٌ طيب يبقى حين ننصرف.
كم من إنسانٍ جمع المال حتى صار المال سجنه، وظن أن الترف يشتري راحة القلب فاكتشف أن الضمير المطمئن هو الثراء الحق. وكم من آخر عاش يترقب إعجاب الناس حتى فقد ذاته، ثم أدرك أن أعظم مكافأة أن يحيا الإنسان وهو صادق مع نفسه، لا يبيعها بثناءٍ زائل.
الحياة تعلّمنا أن الأبواب المغلقة ليست دائمًا نحسًا، بل أحيانًا هي حماية من مسار لا يليق بنا، وأن الجحود من بعض الناس ليس خسارة، بل فرصة لنُعطي لوجه الله وحده، بلا انتظارٍ ولا حساب.
الحياة ليست سباقًا نخوضه لنسبق الآخرين، ولا حلبة صراع ننتصر فيها على خصومنا، بل هي درب طويل نتعلم فيه كيف ننتصر على أنفسنا.
إن أعظم نجاح يحققه الإنسان ليس أن يعلو فوق الناس، بل أن يعلو فوق ضعفه، ويتجاوز خوفه، ويغلب نفسه وشهواته..
إن أعظم صفاءٍ يمكن أن يهبه المرء لنفسه أن يعيش وهو خفيف الحمل: بلا ضغائن، بلا أطماع، بلا صراعٍ صغير يشغله عن المعنى الكبير للحياة.
في المدرسة يعلّمونك الدرس ثم يختبرونك، أما الحياة فتختبرك ثم تعلّمك الدرس فاجعل أيامك لوحةً نقية، تكتب عليها ما يسرك أن يُعرض عليك يوم تلقى الله.