م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - التعصب حالة نفسية مؤذية للروح والأخلاق والوحدة المجتمعية.. وهو وسيلة للتأطير والتنميط والانغلاق تقود إلى الانعزال والعنف المتبادل، فتقوض السِّلْم المجتمعي، وتميت الرقابة الذاتية، وتحث على الاندفاع الأعمى نحو الإفساد والشر والكراهية.
2 - التعصب هو إحدى السمات العقلية للدهماء والغوغاء والرعاع ومسطحي العقول، لذلك هم وقود القلاقل والحوادث التي يشعلها الأعداء باستخدام هؤلاء المتعصبين.. فهم الشرارة التي تشعل النزاعات، وهم الوسيلة التي تؤججها، وهم الحطب الذي توقد به الحرائق، فتصبح جاهزة للأعداء حتى تجتاح تلك الأرض التي أحرقها المتعصبون، ومن ثم يسهل نهب ثرواتها ومقدرات مجتمعها وتعطيل نموها وإلغاء استقلالها.
3 - جاء في الحديث الشريف عن تعريف المتعصب: «من العصبية أن يعين الرجل قومه على الظلم».. ويعرِّف علماء الاجتماع الأوروبيين التعصب بأنه: التفكير السيئ عن الآخرين دون وجود دلائل كافية.. ويُفَصِّل فيه العالمان (ماردن وماير) بأنه: اتجاه يتسم بعدم التفضيل ضد جماعة معينة يحط من قدرها ومن قدر كل أعضائها، أي أنه اتجاه سلبي نحو جماعة عرقية أو دينية أو قومية.
4 - التعصب هو النواة الأولى لكل خلاف، والحروب الأهلية في مختلف الدول والمجتمعات ما كانت لتحدث لولا التعصب، فالمتعصب لا يرى إلا لوناً واحداً وحقيقة واحدة، وقوله في كل شيء قولاً واحداً.. فالعقلية التعصبية وما يترتب عليها نفسياً واجتماعياً وثقافياً وعلمياً وسياسياً هي العقلية الحاضنة لكل ما يؤجج المشاعر ويثير الأحقاد ويشعل الفتن ويغذي النزاعات ويؤدي إلى العنف كحل عند هذه العقول المتعصبة.
5 - التعصب نوعان: تعصب «ضد» ويسمى تعصباً سلبياً، وتعصب «مع» ويسمى تعصباً إيجابياً.. تعصب الضد يشي بالعدوانية والكراهية، تعصب الـ»مع» يشي بالحب والولاء الشديد.. أي أن التعصب يعني الانحياز الأعمى مع أو ضد شخص أو جماعة أو دين أو مذهب أو فكرة أو نادٍ رياضي.. إلخ.. والمتعصب هو الشخص الذي يعتقد أنه على حق وصواب بشكل يقيني ويرفض حتى النقاش حول ما يتعصب له أو ضده!
6 - وتُجْمع كافة التعريفات للتعصب السلبي على أنه موقف لا أساس له من الصحة، ويحدث بدون توافر الدلائل الموضوعية، لأن الفكر التعصبي يعتمد على المشاعر السلبية التي بُنيت على موقف أو مواقف أدت إلى بروز فكرة مجتمعية تتحول إلى فكر منظم، ويضيفون أن التعصب السلبي القائم على الكراهية والعدوانية يتحول إلى تعصب عنصري.
7 - يُفَرِّق الدارسون لظاهرة التعصب ويفصلون بينه وبين الظواهر الاجتماعية الأخرى مثل: التطرف والعنصرية والإرهاب والعنف واضطهاد الأقليات.. ويَخْلُصون إلى أن التعصب ليس فطرياً بل هو مرض اجتماعي تنميه أو تقضي عليه العوامل التربوية.
8 - تغذي العوامل الثقافية في المجتمع التعصب على كل المستويات، فالدول تغذي التعصب القومي، والمدن تغذي التعصب المناطقي، والنوادي الرياضية تغذي التعصب الرياضي، وكذلك الحال على مستوى المهن والأفكار.. والأكيد المُشَاهَد أن التعصب بكافة أشكاله ظاهرة مؤذية للنسيج الاجتماعي في المجتمع الواحد.
9 - البيت هو المصنع الأول لزرع التعصب ضد الفئات المجتمعية الأخرى.. حيث تبني كل فئة تصورات نمطية عن الفئات الأخرى، وهي في أغلبها تصورات سلبية غير عقلانية، إضافة إلى الشارع والمدرسة ومقر العمل ووسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي يعم التعصب.. أي أن الفضاء المحيط كله صار ملوثاً بفكرة التعصب اللاعقلي.
10 - يربط علماء الاجتماع والنفس الاتجاهات التعصبية لدى الفرد بالسمات الشخصية، وأن هناك سمات متى وُجِدت في الفرد فإنها تساعد على تحفيز الاتجاهات التعصبية لديه بقدر ما تؤثر على الجوانب السلوكية عنده وتسهم في تحديد مواقفه، ومن هذه السمات التي يرى العلماء أنها تؤثر في ظهور الاتجاهات التعصبية: القلق، والجمود أو الانغلاق، والعناد، والمجاراة، والسيطرة، والاستقلال، والعدوانية، والغلظة.
11 - في دراسة أجرتها إحدى الجامعات العربية على عينة من طلابها لقياس درجة التعصب لدى الشخص، تم أخذ الذين حققوا أعلى درجات التعصب في العينة وسؤالهم عن التعصب، وكانت نتائجها مدهشة.. ومنها:
- أنهم لا يرون أنفسهم متعصبين بل يرون الآخرين هم المتعصبون!
- يرون أن المتعصبين مرضى نفسيين!
- يرون أن التعصب يتعارض مع الطبيعة السمحة للإسلام!
12 - كفى بالتعصب إثماً أن ترى شرار قومك خياراً.. وخيار الآخرين أشراراً.