وهيب الوهيبي - الرياض:
شكلت سيرة سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء -رحمه الله- نموذجا لافتا للعالم والداعية الصبور الذي عاش اليتم وأحزانه والفقر وآلامه، وفقد البصر وأوجاعه فعوضه الله بنور العلم والبصيرة حيث أمضى مطلع شبابه في طلب العلم وحفظ القرآن الكريم والنهل من عطاء العلماء وحضور دروسهم العلمية.
اللافت في طفولته المبكرة ونشأته الأولى أنها كانت محفوفة بصعوبة المعيشة وقلة ذات اليد، كما يتحدث عنها سماحة المفتي في لقاء علمي حضرته(الجزيرة) يقول في هذا الصدد ولدت في مكة المكرمة عام 1362 هـ، وتوفي والدي وأنا صغير لم يتجاوز عمري الثامنة، إذ لا أتذكر كثيراً من المواقف معه وذلك في عام 1370 هـ، فكانت والدتي سارة الجهيمي -رحمها الله- خير معين لي بعد الله في الحرص بطلب العلم وحفظ القرآن الكريم وأداء العبادة في بيت طيني تعرض ذات مرة للصواعق التي اخترق الجدران ونحن نائمون وأجبرنا على البحث عن مسكن آخر.
أما بدايتي فكانت في حفظ القرآن الكريم مبكراً وتحديداً في عام 1373 هـ على يد الشيخ محمد بن سنان - رحمه الله - الذي كان حريصاً على طلابه في متابعتهم والعناية بهم في تحفيظهم لكتاب الله عز وجل.
وتناول سماحته أبرز مشايخه الذين تتلمذ عليهم، ومنهم سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الديار السعودية، إذ درس عليه كتاب التوحيد والأصول الثلاثة والأربعين النووية، وذلك من عام 1374 هـ حتى عام 1380 هـ، إلى جانب سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء الفرائض في عام 1377 هـ وعام 1380 هـ، قرأت على الشيخ عبد العزيز بن صالح المرشد - رحمه الله - الفرائض والنحو والتوحيد وذلك في عام 1379 هـ، وفي عام 1375 هـ و1376 هـ قرأت على الشيخ عبد العزيز الشثري عمدة الأحكام وزاد المستقنع، وممن درس على أيديهم كذلك الشيخ عبدالعزيز عفيفي وعبدالعزيز الداود - رحمهم الله.
وفي دراسته النظاميه أكد سماحته أنه في عام 1374 هـ التحق بمعهد إمام الدعوة العلمي بالرياض، ثم تخرج منه والتحق بكلية الشريعة بالرياض عام 1380 هـ وحصل على شهادة الليسانس في العلوم الشرعية واللغة العربية منها وذلك في العام الجامعي 1383 / 1384 هـ، ثم عين مدرساً في معهد إمام الدعوة العلمي بالرياض من عام 1384 هـ حتى عام 1392 هـ، وانتقل بعدها إلى كلية الشريعة بالرياض التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية حيث كان يعمل أستاذاً مشاركاً فيها، وإضافة إلى التدريس بها يقوم بالإشراف والمناقشة لرسائل الماجستير والدكتوراه في كل من كلية الشريعة، وأصول الدين، وأضاف: وفي عام 1407 هـ عينت عضواً في هيئة كبار العلماء، وتوليت الإمامة والخطابة في جامع الشيخ محمد بن إبراهيم بدخنة بالرياض بعد وفاة سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم وذلك في عام 1389 هـ، وفي شهر رمضان عينت خطيباً في الجامع الكبير بالرياض، وفي عام 1402 هـ عينت إماماً وخطيباً بمسجد نمرة بعرفة، وفي عام 1412 هـ عينت إماماً وخطيباً بجامع الإمام تركي بن عبد الله بالرياض.
وعن حادثة إصابته بالعمى يوضح
سماحته أنه في عام 1381 هـ جاء إلى الرياض طبيب عيون سويسري وأجريت عملية جراحية إلا أنها لم تتكلل بالنجاح وفقدت بصري وكانت لي محاولة في إجراء عملية أخرى في إسبانيا إلا أن الطبيب أخبرني بعدم نجاحه والحمدلله على قضائه وقدره.
ورغم جهود سماحة الشيخ في العمل الدعوي وإلقاء الدروس العلمية والمحاضرات وخدمة المستفتين والمشاركات الإعلامية وحضور المناسبات الاجتماعية إلى جانب المهام الإدارية الرسمية في إدارة البحوث العلمية والإفتاء إلا أن البرنامج اليومي لسماحته يسير وفق ترتيب زمني مذهل فلايطغى شيء على آخر.. فللبيت وقت وللعبادة وقت وللقراءة مثل ذلك وللضيوف حقهم أيضا من الوقت، إلا أنه أمام ذلك يمضي سماحته أكثر وقته في جامع الإمام تركي بن عبد الله وسط العاصمة الرياض الذي ارتبط بإمامة المصلين فيه منذ وقت مبكر في حياته.البرنامج اليومي لسماحة المفتي يبدأً من صلاة الفجر ثم العودة الى بيته مرة أخرى وفي قرابة الثامنة صباحاً يتجه لعمله في دار الإفتاء ومن ثم يخرج لصلاة الظهر في الجامع ويعود لعمله بعد الصلاة، وعند انتهاء الدوام الرسمي في حوالي الساعة الثانية والنصف ظهراً يخرج من دار الإفتاء متجهاً إلى الجامع مرة أخرى لانتظار صلاة العصر، ثم البقاء فيه حتى بعدصلاة العشاء هذا برنامجه في أيام الأسبوع.
أما في نهاية الأسبوع فيفتح باب منزله في صباح يوم السبت مستقبلاً الزوار حتى صلاة الظهر ويفعل مثل ذلك من بعد صلاة العصر، وكذلك بعد صلاة العصر من يوم الجمعة يتواجد سماحته في مجلسه مستقبلاً الزوار والمستفتين.
رحم الله الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ وأسكنه فسيح جناته، فرحيله نازلة لاتنسى وفاجعة لاتمحى وستبقى خطبة عرفة وإمامة المصلين في جامع الإمام تركي بن عبدالله في الرياض وبرنامج نور على الدرب في إذاعة القرآن الكريم ذكريات ومحطات لاتنسى وعالقة في الذاكرة.