سلطان مصلح مسلط الحارثي
لم يكن نادي الهلال، بنظر الإعلامي القدير الراحل سعود العتيبي -رحمه الله- إلا كياناً شامخاً، مكانه القمة، ومكانته عالية، ولذلك كان في كل مرة يتحدث فيها أو يكتب، يؤكد أن الهلال يجب أن يكون دائماً في القمة، ويجب أن لا يقترب منه أحد، فـ سعود عرف الهلال وهو لا يملك إلا ثلاث بطولات فقط، ومعه انطلق متابعاً ومن ثم إعلامياً، حينما برز وتزعم البطولات المحلية والعربية والآسيوية، وشاهده وهو يقارع كبار أندية العالم، في كأس العالم للأندية ويخرجها.
كان سعود ينظر للهلال ككيان مستقل، مثل كبرى الشركات العالمية، فهو واجهة الوطن رياضياً، وهو من يُراهن عليه ويكون عند حسن ظن من يظن به أن يكون ممثلاً مشرفاً لهذا الوطن ورياضته.
كان -رحمه الله-، يردد جملة ما زال صداها يرن في أذني، (الهلال للعقلاء..الهلال للأصحاء..الهلال للأسوياء)، هكذا كان يرى سعود العتيبي هلاله، فهو قد بلغ به العشق مبلغه، لدرجة أن جل مبارياته لا يشاهدها مباشرة، كونه لا يتحمَّل الضغوط أثناء المباراة.
ذات يوم، كتب مقالاً بعنوان (الهلال وين وأنتم وين)، وكان واحداً من أجمل ما كتب، قال في جزئية منه، (كل ما فعلتموه، وقد فعلتم ما لا يمكن تصديقه، لتكونوا رفقاء درب ورفاق مرحلة.. كل هذا وذاك لن يجعل منكم ما تريدون أن تكونوه بلا وجه حق، ولن ينزل الهلال درجة من عليائه.. ولن يحرك رقماً من أرقامه).. هنا كان سعود يتغنى بهلاله، مخاطباً العاطفة والعقل في آن واحد، ليردف مقاله بفلسفة لا يجيد كتابتها إلا من هم بقامة سعود، (لستم والهلال سواء، الهلال يعمل في النور، ويفهم الأمور كما هي، ويسير حسبها لا يلتف ولا يلف، ولا يأتي من النوافذ... يخاطب كل عصرٍ بلغته، ويعد لكل مرحلة عدتها، ويجهز لكل نقلة أدواتها، يعيش في عالم الكرة ويتكلم لغتها، ويفهم أنظمتها وطبيعتها، الهلال يعمل تحت الشمس، وفوق الظنون، ووفق مساحات القانون، ويرى عمله ذوو البصائر وفقهاء اللعبة)، هذا هو سعود العتيبي، الذي يبتعد عن الكتابة طويلاً حتى تظن بأنه لن لا يجيد الكتابة، فيعود بمقال يلغي كل المساحات التي تُمنح لغيره، لا لشيء، ولكن لأنه سعود العتيبي، سعود المختلف، المثقف، الأديب، ليكمل مقاله في جزئية أخرى، (لستم والهلال سواء، هو فقط يلعب كما يشاء، وبمن شاء، وقت يشاء، وكيف شاء، يأخذ ما يشاء، ويترك ما يشاء، وهو الذي إن أراد منح الدوري الحياة حتى آخر مباراة، أو قتله قبل يومه المحتوم بجولات، ويحيل ما تبقى من مبارياته لحالات استرخاء استعراضية يكون فيها الراقص الأجمل، والنغم الأحلى، والبطل الأول، له يُعزف لحن الزعامة، وفيه تُكتب الفرائد نثراً وقصائد، وفيه فقط يصح ويحلو الكلام)، فهل بعد هذا يوجد من يشبه سعود؟
كثيرة هي التفاصيل التي كانت تدور بيني وبين سعود العتيبي -رحمه الله- حول الهلال، فأجده يسبقني في كل حالة، سواء في الحالة النقدية، أو حالة الثناء، فهو الخبير الذي عاصر الهلال منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، وهو الذي رافق الهلال كثيراً، وعرف خبايا وخفايا النادي، وما تجربته وقربه من الأمير عبدالله بن سعد -رحمه الله- رئيس نادي الهلال، إلا خير دليل على أنه كان صاحب نظرة فاحصة، فالاستشارات التي كانت تُطلب منه ويقدمها دون ثمن، كان يحرص من خلالها على الهلال فقط، وهو رغم قربه الشديد من العاملين في الهلال ومع نجومه، كان ناقداً حقيقياً بمعنى هذه الكلمة، فهو لا يجامل على حساب نادي الهلال مهما كان، وقد انتقد وبحدة عدداً من نجوم الهلال الكبار الذين ارتبط معهم بعلاقة متينة وصلت لأكثر من الصداقة، كما انتقد رؤساء مروا على النادي، وهذا يعطي المتلقي انطباعاً عن قيمة سعود الإعلامية، ويوضح مدى علاقته بالهلال، ومدى صدقه ومهنيته التي وضعت له حداً رسمه هو من تلقاء نفسه، بحيث لا يقلِّل من الكيانات حتى المنافسة لفريقه، ولا يقلِّل من قيمة النجوم.
في السنوات الخمس الأخيرة، اقترب كثيراً من الجمهور الرياضي، وتحديداً الهلالي، وذلك من خلال مشاركاته في المساحات الصوتية في موقع x، فقدم نفسه كما يحب أن يراه محبوه، كان ضيفاً ثقيلاً بحديثه عن الهلال، مشيداً وقت الإشادة، وناقداً صادقاً وقت النقد، كان -رحمه الله- متواضعاً مع الجميع كعادته، مرحاً يسعد من حوله، ولكنه حينما يتحدث يصغي له الجميع، فكلماته التي يطغى عليها الأدب، تجبر المستمع على الاستماع بإنصات.
إنه سعود، الذي لا نتشابه معه في شيء، فقد كان فريداً متفرداً في كل شيء، حتى بحالة العشق لهلاله، كان يقدم الدروس، في كيفية نقده، وفي كيفية دعمه، فرحم الله سعود العتيبي وغفر له، وجمعنا به في جنات النعيم.
حتى لا يُهدم الهلال
نقد كبير يُطال المدرب الايطالي الكبير سيموني انزاغي، رغم أنه للتو بدأ موسمه مع الهلال محلياً، ولم يستطع تطبيق كل أفكاره التي يريدها حتى الآن، وربما هذا واضح للجميع، فالهلال الذي شاهدناه في الأربع المباريات السابقة، كان فريقاً أقل من طموحات محبيه، ولم يقدم ما يقنع المشجع الهلالي، وعلى الرغم من ذلك، فنحن نرى أن الوقت لا يزال مبكراً لتقييم انزاغي أو تغييره، بل الإقدام على خطوة مثل هذه تعتبر جنوناً، فانزاغي وإن لم تظهر أفكاره حتى الآن، ولم يتشرَّب لاعبوه نهجه وتكتيكه، إلا أنه يعتبر من أفضل خمسة مدربين على مستوى العالم، وإمكانية نجاحه واردة جداً، بشرط أن تتغير دكة البدلاء وتكون أقوى مما هي عليه الآن، فالدكة لم تساعد انزاغي على صناعة فريقه الذي يريده، وفي مباراة الأهلي تحديداً، غاب عنه كانسيلو (قبل المباراة)، وأثناء المباراة خرج مالكوم مصاباً، وتعب جل لاعبيه جراء اللعب في الرطوبة، ولذلك أخرج الفرنسي ثيو، وهذا العدد يكفي لأن يجعل الهلال يتراجع كثيراً، كون اللاعب البديل لا يعطي حتى 40 % من الأساسي، ولذلك كان من الطبيعي أن يستقبل ثلاثية أهلاوية في عشر دقائق، وهذا ما أغضب بعض الجماهير الهلالية، وترك ردة فعل بعضها وصل حد القسوة، ولكن يجب أن يكون لهذا الغضب حد، ولا يسعى الجمهور في هدم ناديه بيده ولسانه.