إعداد - عبدالله عبدالرحمن الخفاجي:
الأبواب ليست مجرد ممرات بين الداخل والخارج، بل هي رموز وجودية تختزن في جوفها معاني البدايات والنهايات، وتبقى شاهدة على رحلات البشر. هي التي تصغي لخطوات العائدين، وتتحمّل صمت المغادرين، وتستعيد صدى ضحكات ودموع عبرت من خلالها. وكما الأرواح، إذا هجرت الأبواب أضحت صمّاء لا تجيب، لكنها في أعماقها تبقى حافظة لذاكرة الغياب وحكايات اللقاء.
عن المعرض
بهذا البعد الرمزي والعاطفي، يفتح جاليري مرسمي أبوابه لمعرض «أبواب»، وهو مشروع تشكيلي يضع المشاهد أمام تجربة بصرية ووجدانية عميقة. في هذا المعرض، لا تُعرض الأبواب كعناصر معمارية مهملة، بل تُستعاد بوصفها ذاكرة حيّة وكياناً رمزياً يختزن تفاصيل الزمن.
كل عمل معروض هو حكاية، وكل بابٍ هو نصٌ مفتوح على احتمالات لا تنتهي:
- باب ينتظر صاحبه كطائر يحنّ لرجعته.
- باب يقف منسيّاً في وحشة الرصيف، مترقّباً يدًا تعيد له روحه.
- بابٌ آخر يشبه حلمًا مؤجلاً، أو وعدًا بالعودة بعد طول غياب.
الفن هنا يتجاوز التشكيل الجمالي ليصبح ذاكرة بصرية، حيث الزمن هو الفنان الحقيقي الذي نحت الخشب وشقّق المعدن وترك بصماته على كل مفصل. في هذه الأبواب، يتجاور المادي بالرمزي، الواقعي بالحلمي، والتشكيلي بالوجداني.
الأسلوب الفني
يعتمد المعرض على تنويع الخامات والتقنيات، فيقدّم الأبواب بوصفها أعمالاً تشكيلية قائمة بذاتها. فهناك أبواب حملت آثار الصدأ والتقادم، لتجسد أثر الغياب والزمن، وأخرى زخرفتها الألوان لتُحاكي إشراق الأمل. التنوع التقني لم يكن مجرد استعراض، بل جاء ليخلق حواراً بين الذاكرة والحاضر، بين ما يُخفيه الداخل وما يُعلن عنه الخارج.
المعرض يضع المشاهد في مواجهة أسئلة وجودية:
- ماذا نخفي خلف الأبواب؟
- ما الذي نتركه حين نغلقها؟
- وأي عوالم تنتظرنا حين نفتحها؟
التجربة الإنسانية
«أبواب» لا يكتفي بعرض أعمال فنية، بل يسعى إلى أن يكون تجربة تأملية. فالمشاهد حين يقف أمام هذه الأبواب، يجد نفسه في مواجهة أبواب حياته الخاصة: أبواب القرارات المصيرية، وأبواب التحولات، وأبواب الفرص التي انتظرها أو تركها خلفه. كل عبور يحمل معنى التحوّل والنمو والاكتشاف.
لكن «أبواب» في عمقه ليس شأناً فردياً فقط، بل هو أيضاً شأن وطني. فالأبواب القديمة التي حفظت أصوات الأهل والجيران هي ذاتها التي تحرس ذاكرة المدن والقرى، وتحمل شواهد على تحولات الوطن وتاريخه. إنها بمثابة أرشيف بصري للحياة اليومية التي صنعت روح المكان والإنسان معاً.
الأحلام الكبيرة تصنع أوطاناً عظيمة، ومعرض «أبواب» يذكّرنا بأن الوطن أيضاً أبواب مشرعة، أبواب للفرص، أبواب للذاكرة، وأبواب للمستقبل. وما الفن إلا وسيلة لاستعادة هذه الذاكرة وإعادة بثّها في الوجدان الجمعي.
وفي النهاية، يظل هذا المعرض دعوة صادقة للتأمل في أبوابنا الخاصة، وأبواب وطننا الكبير، الذي كلما فتحنا نوافذه وأبوابه، أطلّ علينا بأفق أوسع وأمل أكبر.
** **
إكس: AL_KHAFAJII