الفن التشكيلي ليس مجرد ألوان وأشكال، بل هو لغة صامتة تنطق بما يختلج في روح الفنان من مشاعر وانتماء. ومنذ بداياته، ارتبط هذا الفن في المملكة العربية السعودية بعمق الوجدان الوطني، حيث كان الفنان التشكيلي شاهداً على مراحل التحول الكبرى، ومساهماً في توثيق الأصالة واستلهام التراث، وفي الوقت ذاته معبّراً عن ملامح النهضة والتجديد التي تضيء حاضر المملكة ومستقبلها. إن دور الفنان التشكيلي هنا يتجاوز حدود الجماليات، ليصبح صوتاً للهوية وذاكرة بصرية للوطن.
في هذا السياق، احتفى جاليري سينرجي باليوم الوطني السعودي الخامس والتسعين عبر معرض تشكيلي استثنائي، جمع نخبة من الفنانين السعوديين الذين أطلقوا العنان لريشاتهم لتخطّ على المساحات البيضاء سرديات بصرية مبهرة.
تنوعت الأعمال المعروضة بين مدارس فنية وأساليب متعددة؛ فبعض اللوحات استحضرت جماليات التراث المعماري والملابس الشعبية، لتروي حكايات الأصالة التي لا تنفصل عن الذاكرة الجماعية. بينما غاصت لوحات أخرى في جمال الطبيعة السعودية، من صحار مترامية إلى جبال شامخة وبحار تتلألأ بالضوء، لتجسّد عمق العلاقة بين الإنسان وأرضه.
ولم تغب عن المشهد التشكيلات التي تعكس التطور والنهضة، حيث جسّد الفنانون رموزاً بصرية تعبّر عن الطموح والانطلاق نحو المستقبل، متماهية مع رؤية المملكة التي جعلت من الثقافة والفن ركناً من أركان نهضتها.
المعرض كان أشبه برحلة بين عوالم مختلفة، لكنها تلتقي في نقطة واحدة: الحب العميق للوطن. الألوان بدت كأنها تحتفل، والظلال كأنها تهمس بحكايات الزمن، فيما انصهرت الأساليب المتنوعة لتشكل لوحة كبرى تحكي قصة السعودية في عيدها الوطني.
لم يكن هذا المعرض سوى امتداد لمسيرة ثرية من الإنجازات التشكيلية الوطنية، حيث بات الفن السعودي اليوم يحجز لنفسه مكانة مرموقة على الساحتين العربية والعالمية. فقد حمل الفنانون السعوديون هويتهم إلى المحافل الدولية، ونجحوا في تقديم صورة معاصرة للثقافة السعودية، تمزج بين جذور أصيلة ورؤى مستقبلية طموحة.
إن ما تحقق للفن التشكيلي في المملكة هو انعكاس لمسيرة وطن يؤمن بأن الثقافة جزء من نهضته، وأن الإبداع رافد من روافد حضوره العالمي. هكذا تظل ريشة الفنان شاهدة على الإنجاز، وألوانه مرآة لوطن يزداد بهاءً عاماً بعد عام، فيتجدد الاحتفاء كل يوم وطني بلوحات تكتب تاريخاً موازياً، تاريخاً ينطق بالجمال والهوية والانتماء.