م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - يختلط في ذهن البعض مفهوم الوطنية بمعنى المواطنة.. وهما موضوعان اتخذا حيزاً من الحوار ينبئ عن أنهما ما زالا مَحَلَّ تساؤل، وأنهما لم يُحْسما بعد في أذهان المواطنين الذين اعتبروهما كلمات حديثة ألقيت على مجتمع حديث عهد بالخروج من الأمية، تلاطمت في ذهنه المعاني والمفاهيم الخاصة بالمواطنة والوطنية.. كما تلاطمت من قبل معاني الحرية والديمقراطية والدستور وغيرها، أو أنهما شيء آخر سوف ينبئنا الزمان به.
2 - الوطنية شعور والمواطنة ممارسة.. الوطنية حب ووفاء بينما المواطنة قبول (برضاً أو تبرم).. والوطنية حرارة وانفعال وجداني أما المواطنة فهي سلوك وتصرفات.. الوطنية أداء يحضر في المناسبات العامة أما المواطنة فهي الأداء الفردي للواجبات اليومية.. الوطنية ارتباط عاطفي بالأرض والمجتمع بينما المواطنة ارتباط عملي.. الوطنية حس قلبي ضميري داخلي أما المواطنة فهي سلوك فعلي ظاهر.. الوطنية لا تَعَدُّد فيها ولا تَبَدُّل أما المواطنة فهي التكيف والمرونة بما تعنيه من تغير وتَبَدُّل.. أي أن الوطنية نتيجة لواقع بينما المواطنة سلوك لهدف.
3 - من المتفق عليه أن الوطنية هي محصلة للمواطنة.. فلا وطنية جيدة بدون مواطنة جيدة.. لكن المواطنة يمكن أن تتم دون وطنية.. فالوطنية مرتبطة بالأرض وبالمجتمع.. بينما المواطنة مرتبطة بالمعيشة اليومية.. وتوطين النفس يعني تعويدها، وتوطين الجسد يعني الإسكان.. ومواطنة الحياة الزوجية أو العملية أو الاجتماعية يعني ترويضها والقبول بها.. إما بداعي الحب والولاء أو بداعي الحاجة أو الخوف وانغلاق باب الخيارات المتاحة.
4 - الأمر الآخر أن الوطنية لا تشترط الالتزام بالقيم والمفاهيم المجتمعية بينما لا مواطنة دون التزام بهما.. وإذا كانت قمة الوطنية أن تتجاوز القوانين والأنظمة ونواميس الحياة في سبيل وطنك، فإن قمة المواطنة هي الالتزام التام بالقوانين والأنظمة.. أخيراً الوطنية من الممكن أن تفقد مالك أو حياتك بسببها، أما المواطنة فيمكن أن تهاجر من وطنك إذا لم يوفر لك ما تطمح له من فرص عمل أو أمن دون أن يخل ذلك بوطنيتك.
5 - وعلى الرغم من هذه التعريفات فإن الوطنية والمواطنة ما زالتا محل تساؤل.. وإليكم بعضاً من هذه التساؤلات: هل الوطن هو الذي تولد فيه أم الذي تُرْزَق فيه؟ وهل صحيح أن الوطنية أكثر تأججاً وقوة لدى الأقل تعليماً وثقافة؟ وهل تتفاوت الوطنية لدى الأفراد، وما هو معيار قياس الوطنية في نفس المواطن؟
6 - تساؤل آخر: حينما قال فيكتور هيجو شاعر فرنسا الكبير: (لنتوقف منذ الآن عن كوننا بريطانيين أو فرنسيين أو ألمان، علينا أن نكون أوروبيين.. ولنتوقف أيضاً عن كوننا أوروبيين ولنكن منذ الآن بشراً فقط، لنكن الإنسانية.. علينا أن ندك آخر معاقل الأنانية «الوطن»).. هل هذا النسف لمفهوم الوطن وتغليب جانب الإنسانية مفهوم إيجابي أم سلبي؟
7 - وتساؤل ثالث: حينما أعلن الشاعر:
(وهل أنا إلا من غزية إن غوت
غويتُ وإن ترشد غزيةُ أَرشُد)
هل كان يعلن أنه إمّعة، أم يعلن أنه مع قبيلته أو وطنه في ذلك العصر، وأن غير ذلك خيانة؟
أسئلة من ضمن مئات الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات وطنية.