الاحتمال كبير جدًا أن تتجه الشركات الصينية للاستحواذ على حصص مؤثرة في شركات البتروكيماويات السعودية بعد فتح ملكية الأجانب، وذلك لاعتبارات استراتيجية واقتصادية وجيوسياسية تجعل هذا القطاع هدفًا رئيسيًا لها.
شهدت السوق المالية السعودية في السنوات الأخيرة إصلاحات جوهرية، من أبرزها السماح برفع نسب تملك المستثمرين الأجانب في الشركات المدرجة. هذا القرار فتح الباب أمام دخول رؤوس أموال ضخمة من مؤسسات وصناديق عالمية، وفي مقدمتها الشركات الصينية التي تُعد من أكبر المستهلكين للبتروكيماويات على مستوى العالم.
1. البعد الصناعي والإستراتيجي للصين
الصين تُعتبر المستورد الأكبر للبتروكيماويات عالميًا، إذ تعتمد صناعاتها التحويلية على مواد أولية كالإيثيلين والبولي بروبيلين وغيرها من المنتجات التي تنتجها الشركات السعودية بكفاءة عالية وتكلفة منخفضة نسبيًا. امتلاك حصص مباشرة في هذه الشركات يعني للصين تأمين سلاسل الإمداد وتقليل المخاطر المرتبطة بالتذبذبات الجيوسياسية أو اضطرابات سلاسل الشحن العالمية.
2. الجدوى المالية والاقتصادية للاستثمار
شركات البتروكيماويات السعودية تحقق أرباحًا تشغيلية مستقرة وتتمتع بميزة تنافسية بفضل:
وفرة اللقيم (الغاز وسوائل النفط).
البنية التحتية المتقدمة.
الدعم الحكومي لقطاع الطاقة والصادرات.
من الناحية المالية، هذه الشركات توزع أرباحًا دورية وجاذبة للمستثمر طويل الأجل، مما يجعلها وجهة مثالية لرؤوس الأموال الصينية الباحثة عن عوائد مستقرة تتجاوز الاستثمار التقليدي في السندات أو الأصول العقارية.
3. البعد الجيوسياسي والاقتصاد الكلي
التحالف الاقتصادي بين الرياض وبكين آخذ في التوسع، خاصة مع «مبادرة الحزام والطريق». دخول الصين كمستثمر استراتيجي في البتروكيماويات السعودية سيعزز:
تنويع الشركاء التجاريين للمملكة بعيدًا عن الاعتماد على الغرب.
توطيد التحالفات الاقتصادية التي ترتكز على المصالح المشتركة في الطاقة والصناعة.
دعم الاستقرار المالي للسوق السعودي عبر ضخ سيولة أجنبية مباشرة في قطاع حيوي.
4. الجدوى للمملكة وسوق الأسهم
على الجانب السعودي، هذا الاستحواذ سيعود بعدة فوائد:
رفع تقييم الشركات المدرجة نتيجة زيادة الطلب على أسهمها.
تحسين السيولة في السوق المالية، بما يجعلها أكثر جذبًا لمؤشرات الأسواق الناشئة والعالمية.
نقل الخبرات التقنية والإدارية، خاصة إذا رافق الاستحواذ شراكات تشغيلية أو نقل تقنيات جديدة في الصناعات التحويلية.
5. المخاطر المحتملة
ورغم هذه الإيجابيات، هناك مخاطر لا يمكن تجاهلها:
احتمال فقدان جزء من السيطرة الوطنية على قطاع استراتيجي إذا تجاوزت الملكيات نسبًا حرجة.
تعرض الشركات لتأثيرات سياسية في حال حدوث توترات بين الصين ودول أخرى مؤثرة في أسواق الطاقة.
احتمالية تركيز المستثمر الأجنبي على العوائد قصيرة المدى على حساب التوسع الصناعي المحلي.
الخلاصة
الجدوى الاقتصادية لاستحواذ الشركات الصينية على أسهم شركات البتروكيماويات السعودية مرتفعة جدًا من حيث العوائد المالية، الأمن الصناعي، والتحالفات الجيوسياسية، لكن نجاح هذه المعادلة يتوقف على توازن السياسة السعودية بين جذب الاستثمارات الأجنبية والحفاظ على سيادتها الاقتصادية.
وبذلك، يمكن النظر إلى دخول الشركات الصينية ليس فقط كاستثمار مالي، بل كجزء من شراكة استراتيجية طويلة الأمد تعيد رسم خريطة قطاع البتروكيماويات في المنطقة.
** **
عبدالله اليمني القحطاني - المحلل الفني لأسواق المال
حساب منصة x @alsaham77