د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
قد يجمع بعض المحدَثين بين (بل) و(حتى) في موضع لا يجتمعان فيه، مثال ذلك قول أحدهم «أعاني من مرض نفسي أفسد علي حياتي، بل حتى في لحظات الفرح»، وحتى هنا حرف عطف، وتوالي حرفي عطف غير مقبول، قال ابن يعيش «لا يجوز دخول حرف العطف على مثله، إذ من المحال عطفُ العاطف»(1). والصواب في الجملة المذكورة «أعاني من مرض نفسي أفسد علي حياتي حتى في لحظات الفرح».
ومثله قول أحد محققي الكتب «تتلمذ عدد من الأئمة عليه مثل مسلم وأبي داود، بل حتى الإمام أحمد، حدَّث عنه». والصواب «تتلمذ عدد من الأئمة عليه مثل مسلم وأبي داود، حتى الإمام أحمد حدَّث عنه». وقوله «لم أجد من عرفه من المتقدمين، مع ذكرهم له كنوع مستقل من أنواع علوم القرآن، بل حتى الذين صنفوا في أحكام القرآن لم يُعرفوه»، والصواب «لم أجد من عرفه من المتقدمين، مع ذكرهم له كنوع مستقل من أنواع علوم القرآن، حتى الذين صنفوا في أحكام القرآن لم يُعرفوه»، وقوله «بل وتنافسوا على استصحاب العلماء في مجالسهم، وإسناد وزارات الدولة ووظائفها إليهم، بل حتى في جمع الكتب وحيازتها»، وفي هذا النص جمع بين حرفي عطف (بل/ و)، وكذلك (بل حتى)، والصواب «بل تنافسوا على استصحاب العلماء في مجالسهم، وإسناد وزارات الدولة ووظائفها إليهم، حتى في جمع الكتب وحيازتها».
وجاء في شرح محدَث لألفية ابن مالك «الرحمن: عام المعنى، من حيث إن الرحمة تشمل الكافر والمؤمن، بل حتى البهائم»، والصواب «الرحمن: عام المعنى، من حيث إن الرحمة تشمل الكافر والمؤمن، حتى البهائم»، ومثله «قوله: (وَارْدُدْ لأَصْلِ) هذه قاعدة عامة، ورد ما هو مُنقلبٌ عن أصلٍ غير مردودٍ لأصله في لسان العرب، بل حتى في الشرع»، والصواب «قوله: (وَارْدُدْ لأَصْلِ) هذه قاعدة عامة، ورد ما هو مُنقلبٌ عن أصلٍ غير مردودٍ لأصله في لسان العرب، حتى في الشرع».
ومن الجمع بين (حتى) وواو العطف هذه المقتبسات:
قوله «تناول ابن إسحاق في كتابه ثلاث موضوعات اعتبرها مترابطة: أخبار الخليقة من آدم وحتى إسماعيل»(2). وكذا «وهي تروي أخبار الحوادث التي وقعت مع نهاية معركة بدر الكبرى وحتى نهاية معركة أحد»(3).
جاء في تحقيق «موطأ مالك - رواية يحيى» «وكان الصحابة والتابعون وحتى من بعدهم يسمون اجتهادهم رأيًا»(4).
ومثلها من الصحافة:
«(الأوقاف): بدء تسجيل الراغبين بأداء فريضة الحج غداً الأحد إلكترونياً وحتى 17 الجاري».
«الولادة القيصرية من الرابعة وحتى السادسة - مستشفى دار الشفا».
«وزارة الكهرباء: انتهاء جدول تخفيف الأحمال اليوم وحتى نهاية الصيف».
«إغلاق جميع الحدائق العامة.. اعتبارًا من اليوم وحتى إشعار آخر».
وكل هذه المثل معاندة للطريقة الصحيحة، والصواب حذف الواو إذ لا حاجة إلى العطف.
فإن كانت (حتى) جارّة ساغ أن تلي حرف العطف، كما في قول الطبري «قَالَ: نَعَمْ، كَمْ أَحَبُّ إِلَيْكُمْ؟ أَيَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ؟ قَالَ: لا، بَلْ حَتَّى نُكَاتِبَ أَهْلَ رَأْيِنَا وَرُؤَسَاءَ قَوْمِنَا»(5). أي بل إلى أن نكاتبَ، ولذلك نصب الفعل بعدها بأن المضمرة. وكما في قول النفزي «وقد اختلف في بيع الزرع، فقيل: إنَّما يُباع بعد أنْ يُفركَ. وقيل: بلْ حتَّى ييبس»(6)، أي بل إلى أن ييبس. وكذلك قوله «فإذا انصرفوا فلهم الأمان حتى يفارقوا بلد الإسلام. قال ابن المواز: بل حتى يصلوا إلى مأمنهم من بلدهم»(7). أي حتى أن يفارقوا. ومثل ذلك قول عبد القاهر الجرجاني «وجملةُ الأمر أنك لن تَعْلَم في شيءٍ منَ الصناعات عِلْمًا تُمِرُّ فيه وتُحلْي، حتى تَكونَ ممن يَعْرفُ الخطأَ فيها مِن الصَّواب، ويَفْصِلُ بينَ الإِساءةِ والإِحسان، بل حتى تُفاضِلَ بينَ الإِحسان والإِحسان»(8)، أي بل إلى أن تفاضلَ.
وقد تأتي (حتى) ابتدائية فتلي حرف العطف، قال الفارسي «قال امْرُؤ القَيْسِ:
سَرَيْتُ بهم حتّى تَكِلَّ مَطِيُّهم
وحتّى الجيادُ ما يُقَدْنَ بأرْسانِ
(فهذه الآخِرة هي التي تَرْفَعُ) قوله: هي التي ترفع، يريد التي يرتفع الفعل بعدها، كما يرتفع الاسم في قولك: حتّى كُلَيْبٌ، لأنه بمنزلة حرف من حروف الابتداء»(9). واستدل عبدالقادر البغدادي ببيت امرئ القيس على أن (حتى) غير عاطفة قال «ويدلك على أنها ليست العاطفة دخول حرف العطف عليها في قوله: (وحتَّى الجياد ما يقدن بأرسان) وحرف العطف لا يدخل على مثله»(10).
**__**__**__**__**__**
(1) شرح المفصل لابن يعيش، 5/ 26.
(2) سيرة ابن إسحاق = السير والمغازي، ص17.
(3) سيرة ابن إسحاق = السير والمغازي، ص18.
(4) موطأ مالك - رواية يحيى، تحقيق الأعظمي، 1/ 296.
(5) تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطب ري، 3/ 520.
(6) النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات للنفزي، 2/ 270.
(7) النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات للنفزي، 3/ 372.
(8) دلائل الإعجاز للجرجاني، 1/ 37.
(9) التعليقة على كتاب سيبويه للفارسي، 2/ 149.
(10) شرح أبيات مغني اللبيب للبغدادي، 3/ 121.