الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
تحذر الشريعة الإسلامية من نشر الشائعات والترويج لها، وبث الأخبار الكاذبة الزائفة لأنها داء خبيث ومرض عضال.
الشائعات مدمرة للمجتمعات، حيث تؤدي إلى التفكك الاجتماعي وزرع الفتن والكراهية، وتثير البلبلة التي تؤدي إلى زعزعة أمن المجتمع واستقراره وتراجع قيمه، وهي جريمة ضد الدين والوطن وأفراده.
ويؤكد ذوو الاختصاص والرأي أن خطر الشائعات كبير وعظيم فهي سموم فكرية وأخلاقية تنتشر في الأوساط لتضرب وحدة الأمة وتزرع الشك والريبة.
«الجزيرة» رصدت رؤى عدد من المختصين في العلوم الشرعية والتربوية والطبية للحديث عن تلك الظاهرة المتزايدة في المجتمعات.
التأمل الدقيق
يؤكد الشيخ الدكتور حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ، إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف، أن من الأمور الخطيرة على الأفراد والمجتمعات، تلك الشائعات من الأخبار المتناقلة، دون برهان على صحتها، ولا دليل على صدقها، إنها الشائعات التي تنتشر في وسائل الإعلام المختلفة، من مصادر مجهولة، تبثّ الأراجيف، وتثير الفتن العريضة والشرور المستطيرة،
مشيراً إلى أن الشائعات متنوعة الطرح، تحمل المخاوف، وتبثّ القلاقل وتتناول ولاة أمور المسلمين وعلماءهم بالسوء والفحشاء، ذات مقاصد سيئة، وأهداف مغرضة، فتلك الشائعات سلاح فتّاك، يبثّها الأعداء لتدمير الأمة وشقّ صفّها، وتمزيق وحدتها.
ويكشف د. حسين آل الشيخ إلى أن الشائعات صناعة من صناعات أعداء الإسلام، للصدّ عن المناهج الربّانية، والشرائع الإلهية، ومع تطوّر العالم أصبحت صناعة متقنة، وفق قواعد مرسومة لتدمير الدول، سياسيًا، واقتصاديًا، وأخلاقيًا، وسلمًا، وحربًا.
وذكر إمام وخطيب المسجد النبوي أن موقف المسلم من تلك الشائعات اتباع المنهج الإسلامي الذي يدعو إلى الوعي واليقظة، وإدراك أضرار هذه الإشاعات، يقول الله عزّ وجلّ: {وإذا جَاءَهُمْ أمر مِّنَ الأمن أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إلى الرَّسُولِ وإلى أُولِي الأمر مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا}.
وحثّ آل الشيخ على عدم العجلة التسرّع بنشر الأخبار حين سماعها، بل لا بد من التأمل الدقيق، والنظر العميق في حقائق الأمور وعواقبها، فقال أهل العلم: وفيها تحريم إذاعة الأخبار، خاصة في حالات المحن، إلا بعد التأكد من صحّتها، وعدم الضرر من نشرها، مستدلًا بقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}، كما ربّى النبي صلى الله عليه وسلّم أمّته على التبيّن والتأني، وحذّرهم من الانزلاق في نشر الأخبار حين سماعها، دون معرفة بصدقها، فقال عليه الصلاة والسلام» بئس مطيّة الرجل زعموا»، رواه أبو داود.
وشدد على أن السلامة للأفراد والمجتمعات التمسّك بالأصل النبوي: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت»، وإن من خصائص أمة الإسلام أنها أمة واعية، لا تصدّق كل ما ينشر ويشاع، دون تمحيص ولا تفنيد، فلا بد للمسلم من الكياسة والفطنة، والوعي الكامل بمكر الأعداء وكيدهم، قال تعالى: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ}، ويقول سبحانه: {لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ}.
وأضاف إمام المسجد النبوي: إنما يدرأ شرور الإشاعات المغرضة، العمل بالثوابت الدينية، والعمل بالحكمة والتروّي، وإجادة تقدير المواقف، والتعاضد، والتعاون مع ولاة الأمر، والوقوف صفًا واحدًا فيما يخدم الدين والدنيا معًا، وعلى الجميع الحذر من تلك المعارك الجدلية في وسائل التواصل، فما لا نفع فيه ولا جدوى، محذراً من الأطروحات التي تستغلها وسائل التواصل خاصة في أيام المحن والبلايا كهذه الأيام، من ادعاءات كاذبة، ظاهرها الإخلاص للأمة والصدق لقضاياها، وهم يحدثون فتنًا أكبر، ومخاطر أعظم، ومحنًا أطمّ للأمة، فكلما برزت محنة أحدثوا منها ما يثير الفتن على المجتمعات، والتاريخ الحديث أعظم شاهد، وأكبر برهان.
مسارات متكاملة
ويؤكد الدكتور هشام بن عبدالكريم المشيقح رئيس مجلس الأمناء لكليات الأولى بمحافظة الأحساء أن الشائعات من الظواهر الاجتماعية الخطيرة التي تهدد استقرار المجتمعات وتضعف الثقة بين أفراده ومؤسساته، ولمعالجة هذه الظاهرة، ينبغي العمل على عدة مسارات متكاملة، من أبرزها:
1- تعزيز الوعي المجتمعي: من خلال تكثيف الحملات التوعوية التي تبيّن مخاطر الشائعات على الأمن الفكري والاجتماعي، وتدريب الأفراد على مهارات التحقق من صحة الأخبار عبر المصادر الرسمية والموثوقة.
2- الإعلام المسؤول: إذ يتحمّل الإعلام بمختلف وسائله مسؤولية كبرى في تقديم المعلومة الدقيقة والسريعة، ومواجهة الشائعات بالشفافية والموضوعية، بما يحدّ من مساحات انتشارها.
3- التربية الأخلاقية والإعلامية: عبر غرس القيم الأخلاقية المرتبطة بالصدق والأمانة في النشء، وتضمين المناهج التعليمية موضوعات عن التفكير النقدي والوعي الإعلامي.
4- التشريعات والأنظمة: تفعيل القوانين الرادعة لنشر الشائعات والمعلومات المضللة، بما يحفظ استقرار المجتمع ويعزز الشعور بالمسؤولية الفردية والجماعية.
ويشدد د. هشام المشيقح على أن معالجة ظاهرة الشائعات تتطلب تكاملاً بين وعي الأفراد وشفافية المؤسسات ودور الإعلام، في إطار منظومة قيمية وتشريعية متماسكة.
التضليل عبر السوشيال
ويؤكد الدكتور محمد طه شمسي باشا، أخصائي الأمراض الباطنية بالرياض، على كثرة انتشار المعلومات الصحية أو الطبية غير الدقيقة والمضللة عبر منصات التواصل الاجتماعي التي تعتمد على المبالغة لجذب الانتباه دون وجود مستند طبي أو أسس علمية صحيحة ترتكز عليها.
وبالطبع، فإن ذلك يؤدي إلى تداعيات ومن هذه التداعيات أنه يمكن أن يدفع الناس لاتخاذ قرارات طبية خاطئة تنعكس سلبا على صحتهم، أو أن ذلك يؤدي الى إحداث قلق يدفع الناس إلى مراجعة الطبيب خوفا من حالة مرضية قد لا تكون موجودة أصلا تجعل المريض يلح في طلب فحوصات غير ضرورية تتعارض مع القرار الطبي الذي من الواجب اتخاذه من قبل الطبيب ودون مراعاة إلى أنه هو صاحب القرار وأنه من الواجب أخذ رأيه باديْ ذي بدء.
واستشهد د. محمد طه شمسي ببعض الأمثلة التي كثرت المبالغة فيها الكلام عن الأمراض التي يسببها زيادة النحاس أو نقص السيلينيوم أو نقص فيتامين ب1 أوب 6 وهي أمراض قليلة الحدوث إن لم تكن نادرة، ومن المغالطات الشائعة والتي يروج لها في السوشيال ميديا التقليل من خطورة ارتفاع الكوليسترول الضار وارتباطه الوثيق بأمراض القلب التصلبية، والتهويل من الآثار الجانبية للأدوية الخافضة للكوليسترول، ومن ذلك أيضا استخدام مواد عشبية أو مكملات غذائية دون وجود دراسات طبية تؤكد فائدتها ودون استشارة طبيب مما يؤدي إلى تفاقم الحالة الصحية بدلا من تحسنها.
كل ذلك يؤدي إلى حالة صدام بين الطبيب ومراجعي العيادات لأنهم يحملون أفكار خاطئة عن مشكلتهم الصحية وهذا قد يؤدي إلى ضرر بسمعة الطبيب الصادق الذي يعمل ضمن ضوابط طبية صحيحة، فما ينفع مريضا قد يضر مريضا آخر.
ومن هنا، نوجه دعوتنا إلى ضرورة الرجوع إلى المصادر الطبية الموثوقة والمعتمدة من أجل التثبت من صحة ما يقال قبل نشر هذه الضلالات، أو اتخاذ قرارات طبية غير محسوبة وأحيانا خطرة، وذلك بناء على محتوى منمق أكثر من كونه محتوى علميا.