سارة الشهري
كنتُ قبل فترة، وأنا أتصفح تطبيق (سناب شات)، أستغرب من تشابه المحتوى لدى كثير من المؤثرات، وكأن هناك (دليل استخدام) موحد تتبعه الأمهات في عرض حياتهن اليومية.
في كل موسم دراسي مثلاً، تتكرر المشاهد ذاتها، طفل صغير يحمل حقيبة ضخمة من ماركة عالمية لا تناسب عمره ولا احتياجاته، لكنه يبتسم لعدسة الهاتف لأن (الموضة) تقتضي ذلك. لا أحد يسأل عن راحته أو رغبته، المهم أن الصورة تواكب الترند، وأن المشاهدات ترتفع.
ثم تأتي الموجة الثانية.. (أول يوم دراسي) فنرى طوابير من المقاطع تصور الأطفال في المدرسة، بملامح مرتبكة وعدسات لا ترحم، وكأن لحظاتهم الخاصة أصبحت مادة دعائية. وكأن الطفولة لم تعد تجربة تُعاش، بل مشهد يُسوّق.
وفي الجانب الآخر من المنصة، نجد سباقاً آخر أكثر بريقاً.. أو ربما أكثر ضجيجاً. سباق في عرض الماركات، المجوهرات، السيارات الفارهة، والسفرات الباذخة، وكأن القيمة أصبحت تُقاس بما نملك لا بما نُقدّم.
هذه الموجات المتكررة جعلت من الضروري أن تتدخل الجهات المختصة، لأن ما كان يُعتبر (مجرد تسلية) بات يؤثر مباشرة على الذوق العام، وعلى مفهوم القدوة في المجتمع السعودي.
وهنا جاءت خطوة الهيئة العامة لتنظيم الإعلام، بقرارها الصادر مؤخراً، لتضع حدوداً واضحة بين الحرية والمسؤولية؛ فقد تضمنت الضوابط الجديدة منع استخدام اللغة المبتذلة أو التباهي بالأموال والممتلكات، وحظر تصوير الأطفال أو العمالة المنزلية بهدف جذب المتابعين، إضافة إلى منع عرض الخلافات الأسرية أو كشف خصوصيات العائلات أمام الجمهور.
لم تقف الضوابط عند هذا الحد، بل أكدت على ضرورة احترام الذوق العام في المظهر واللباس، ومنعت كل ما يتعارض مع القيم والهوية الوطنية. إنها ليست قرارات للتقييد بقدر ما هي دعوة لإعادة التوازن بين ما نعرضه وما نُؤمن به.
الجميل أن هذه الخطوة لا تُعادي صناعة المحتوى، بل تنقذها من الانزلاق. فهي تفتح الباب أمام محتوى راقٍ ومسؤول يُعبّر عن المجتمع، لا يُشوّهه، ويُسهم في بناء صورة حضارية تليق برؤية المملكة 2030 التي تسعى لتعزيز الوعي والهوية معاً.
باختصار
الإعلام اليوم لم يعد مجرد نافذة، بل مرآة. وما نُقدّمه من خلالها إما أن يعكس واقعنا الجميل، أو يشوّه ملامحه، والاختيار - كما يبدو- لم يعد ترفاً، بل مسؤولية.