د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
الأصل في اسم الزمان والمكان أن يقع مواقع الأسماء الإعرابية فيكون مبتدأ، وخبرًا، وفاعلًا، ومضافًا، ومضافًا إليه، ومفعولًا به، ومفعولًا فيه، أي ظرفًا، ومستثنى، وتمييزًا، سوى ما لزم من أسماء الزمان والمكان الظرفية؛ فلم يقع موقع الأسماء إلّا محكيًّا لفظه. قال المبرد عن مجيء اسم المكان خبرًا «اعْلَم أَن كل ظرف مُتَمَكن فالإخبار عَنهُ جَائِز، وَذَلِكَ قَوْلك -إِذا قَالَ قَائِل: (زيد خَلْفَك)-: أخبرْ عَن (خلف) قلت: الذي زيد فِيهِ خَلفُك، فترفعه؛ لِأَنَّهُ اسْم، وَقد خرج من أَن يكون ظرفًا، وَإِنَّمَا يكون ظرفًا إِذا تضمن شَيْئا؛ نَحْو: زيد خَلفَك؛ لِأَن الْمَعْنى: زيد مُسْتَقر في هَذَا الْموضع، و(الْخلف) مفعول فِيهِ»(1). وعن مجيئه مبتدأ قال «فَإِن قلت: خَلفُك وَاسع - لم يكن ظرفًا، وَرفعتَ؛ لِأَنَّك عَنهُ تخبر، وَكَذَلِكَ: سرت يَوْمَ الْجُمُعَة، فَيومَ الْجُمُعَة ظرفٌ لسيرك، فَإِن قلت: يَوْمُ الْجُمُعَة مباركٌ - أخْبرت عَن الْيَوْم؛ كَمَا تخبر عَن سَائِر الْأَسْمَاء؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بظرف فَهُوَ كَقَوْلِك: زيدٌ حسنٌ، وعَلى هَذَا قَالَ الشَّاعِر [لبيد]:
فَغَدَتْ كِلا الفَرْجَينِ تَحْسَبُ أَنَّهُ
مَوْلى الْمَخافَةِ خَلْفُها وَأَمامُها»(2)
أما ما لزم الظرفية فقال عنه «وَمَا كَانَ لَا يَقع إِلَّا ظرفًا فَلَا يجوز الْإِخْبَار عَنهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يرْتَفع وكل مَا خبرت عَنهُ فَلَا بُد من رَفعه؛ لِأَنَّهُ خبر ابْتِدَاء، فَمن ذَلِك (عِنْد)، لَو قلت: زيد عنْدَك، فَقَالَ قَائِل: أخبر عَن قَوْلك (عنْدك) لم يجز؛ لِأَنَّهُ كَانَ يلزمك أَن تَقول: الذي زيد فِيهِ عنْدُك؛ فَترفع مَا لَا يجوز أَن يَقع مَرْفُوعًا أبدًا، وَكَذَلِكَ ذَاتَ مرّة، وَسِوى، وَسَوَاء، وبُعيدات بَين، وسحر إِذا أردْت بِهِ سحر يَوْمك»(3). وبالجملة قال ابن السراج «فكل اسم من أسماء الزمان فلك أن تجعله اسمًا وظرفًا إلا ما خصته العرب بأن جعلته ظرفًا وذلك ما لم تستعمله العرب مجرورًا ولا مرفوعًا. وهذا إنما يؤخذ سماعًا عنهم»(4).
رأينا في النصوص المقتبسة أمثلة لاستعمال اسم الزمان والمكان مبتدأ وخبرًا، ولعلنا نمثل للوظائف الأخرى:
الفاعل: «إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ: أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ».
«رَحُبتِ الدارُ « وأرْحَبَت إذا اتسعت».
نائب الفاعل: الصوم لرؤية الهلال فإن غُمّ أُكملَ الشهرُ ثلاثين يومًا.
قال تعالى {إذا زُلزِلَتِ الأرضُ زِلزَالَها} [1-الزلزلة]
مفعول به: قال تعالى {وَتُولِجُ النَّهارَ في اللّيلِ} [27- آل عمران]
قال تعالى {الّذي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِراشًا} [22- البقرة].
ما يحتمل الظرفية والمفعولية: قال تعالى {عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِي حِجَجٍ} [27- القصص](5)، ونحو: صمت يومًا. قال الفارسي «صورة ما يَنْتَصِبُ على أنه ظرف من هذه الأسماء كصورة ما ينتصِبُ منها على أنه مفعولٌ فيه، إلا أن الذي يَنفصِلُ به كل واحدٍ من صاحبه موضعُ الكنايةِ، فلو قُلت: (صُمْتُ يومًا) فنصبتهُ نصبَ المفعول لَقُلْتَ إذا كَنَّيْتَ عنه: (صُمْتُهُ) ولو كنيت عنه وقد جعَلْتَهُ ظرفًا لقلت: (صُمْتُ فيه)»(6).
تمييز:قال تعالى {فَلَبِثَ فِيهِم أَلَفَ سَنَةٍ إلّا خَمْسِينَ عامًا}[14-العنكبوت].
قال تعالى {قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكانًا} [77-يوسف].
مستثنى: ولي المأمون ثنتين وعشرين سنة إلا شهرًا.
الْأَرْض كُلُّهَا مَسْجِدٌ وَطَهُورٌ إلَّا مَكَانًا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الصَّلَاةِ فِيهِ.
مضاف إليه: قال تعالى {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} [113-المؤمنون].
قال تعالى {فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ} [24-يونس].
مجرور بحرف جر: قال تعالى {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} [5-السجدة].
الظرفية إحدى وظائف اسم الزمان واسم المكان.
**__**__**__**__**
(1) المقتضب للمبرد، 3/ 102- 103.
(2) المقتضب للمبرد، 3/ 103.
(3) المقتضب للمبرد، 3/ 103-104.
(4) الأصول في النحو لابن السراج، 1/ 192.
(5) انظر: التبيان في إعراب القرآن للعكبري، 2/ 1019. وتفسير الكشاف للزمخشري، 3/ 404.
(6) التعليقة على كتاب سيبويه للفارسي، 1/ 119.