د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
عنوان المقال هو ذاته وسم لمحاضرة ألقاها سعادة الأمين العام لجائزة الملك فيصل العالمية الدكتور عبدالعزيز السبيل يوم الأحد الماضي الموافق 12 من شهر أكتوبر الجاري حملت في ثناياها محطات في مسيرة الجائزة ووافر من كنوزها التي تشكلت من خلالها تلك المكانة العالمية للجائزة، ولقد حفزني حديث سعادته المكتنز في المحاضرة على التقاط اللحظة والحديث عن الجائزة فالجائزة طوقٌ سعودي عالمي يزين أعناق الباحثين؛ وتوق يرقبه ذوو العقول الناضجة؛ وحُلّةٌ تحفيزية عالميّة وارفة للعلم والعلماء تشهدها بلادنا ويشهدها العالم أجمع؛ فقد سكنتْ بكل تفاصيلها وتجليات أهدافها أوعية العلوم النظرية والتطبيقية؛ واندمجت في معامل العلوم واللغة والدراسات العميقة؛ وانتخبتْ بحيادية معيارية ممنهجة كل فرسانها الذين استجلبوا العالم بحراكهم نحو إنجازاتهم ومشت ثلة منهم على مرمر ساحاتها إلى جائزة نوبل العالمية فكانت جائزة الفيصل هي الفيصل في مسيرتهم! لقد أصبح تتويج الفائزين بالجائزة من خلال منائرها الخمس (خدمة الإسلام، الدراسات الإسلامية، اللغة العربية والأدب وجائزة العلوم) حدث علمي وعالمي ورباط مكين بين التراث والمعاصرة أما وهج الجائزة وحصادها فهو شهادات العالم بأسره بأن الفيصل -رحمه الله- مجدد تنويري روى فزرع في عقول أبنائه طقوسا مختلفة في إدارة العقل والاحتفاء بالفكر فلابد من استزراعها! وأن العالمية في مفهوم الفيصل - رحمه الله - لا تعدو إلا أن تكون تمكين البشرية من الحياة ليعمرها العقل والإرادة الواعية؛ وأن للفيصل -رحمه الله- مواسم ومراسم في تتويج العباقرة؛ واستخلاص المزايا الفكرية التي ترفو وجدان العالم من خلالهم؛ فاستجاب أبناء الفيصل ففعلوا وأعلوا صروح الجائزة وصنعوا متكآتها المتينة وأبدعوها تنظيما ودودا حافظ على رونق بريقها العالمي فأصبحت جزءا من تاريخ الفيصل العريق؛ وباتت الجائزة مؤسسة استقطاب للعقول المتفوقة التي تنشد بوابات النور فترفع لهم الجائزة الرايات لينشروا وينتشروا! وما فتئتْ الجائزة رمزا حيا للانطلاقات الملأى من بلادنا المملكة العربية السعودية فالمكان متوهج حفي؛ والأهداف سامية؛ والبناء شامخ أشم؛ وملوك بلادنا في عهودهم المضيئة يتصدرون احتفاءات الجائزة وتشرُف بهم وبرعايتهم لمواسم تتويج الفائزين؛ فصنعوا لقاءات حضارية اخترقت دوائر الزمن ونبتت باسقات في رواقنا الصحراوي الذي لبس حللا خضراء نامية توشح بها الفئزون؛ وعادوا إلى بلدانهم ليعلنوا أن عالميّة جائزة الملك فيصل رحلة مبهرة في كل أحوالها لاستظهار العلوم والآداب والدراسات؛ وأن عالمية الجائزة تمنح بسخاء تفاصيل المنجز الحضاري للعالم من خلال الفائزين بها؛ وأن عالمية الجائزة انبثقت من خلال زوايا رؤية عميقة متعددة؛ وأن عالمية الجائزة توشحت بمكانة الفيصل -رحمه الله- الذي كان يرى العقل والحكمة من أجلّ مكاسب الإنسانية، وأن عالمية الجائزة اتكأت أيضا على «خدمة الإنسانية وسعادة البشريّة؛ وأحاطوا الجائزة بعلامات مميزة؛ حيث تزدهر بعقول العلماء الذين أشعلت جائزة الملك فيصل حضورهم العالمي وتوجتهم في مرتبعات المعرفة أقطابا مؤثرين فعبرها منذ تأسيسها (301) فائز وفائزة اقتسم العالم معهم لحظات الفوز وماضي الجهود؛ وحاضر البشرية الذي امتزج بمنجزاتهم العقلية والفكرية حين استزرعتها الجائزة في حقولها المشمسة؛ وما زالت جائزة الملك فيصل العالمية تشرقُ في بلادنا فتضيء خارجها تطوقها خيرات علمية حسان؛ وما برحتْ تجارة علمية لن تبور بتوفيق الله؛ وما انفك القائمون عليها من أبناء الملك فيصل -رحمه الله- يلتفون حول دروبها لينقلوها مع مسيرة كل عام إلى دروب المعرفة العقلية العميقة.
ونُجمل أن مرآيا الجائزة استطاعت أن تعكس حراكها المعرفي بكل اقتدار.
ولأن بلادنا مقبلة مستقبلة وصور التقاطاتها المعرفية بدت من محركات التنمية الحضارية وحيث أُشرعتْ البوابات للشراكات المعرفية في كافة المجالات فنتمنى أن تسعى الجامعات وكراسي البحث المنشأة فيها للاستفادة من فرسان الجائزة كل عام في عمق أبحاثهم ودراساتهم ولاسيما أن جائزة الملك فيصل العالميّة قد أخضعتهم للتقييم المعرفي وفق معايير عليا، ولعل ذلك يكون إستراتيجية يؤصل لها بإطار مرجعي متكامل للاستفادة من علماء العالم حين يكون حضورهم في بلادنا للاعتراف بمكانهم وتمكنهم في مجالات البحوث العلمية ومخرجاتها وأرى الفرص ملأى مواتية للجامعات السعودية المقبلة على الاستقلالية ومنها من حاز ذلك!.
رحم الله الملك فيصل؛ وهنيئا لبلادنا وقيادتنا الرشيدة «جائزة الملك فيصل العالمية» التي جعلتْ علماء العالم يجولون في رياضنا وحياضنا واصْطَفَ العلماء في أرض العلماء!