سارة الشهري
لم يعد عالم الطفولة كما كانت أيامنا بسيطة تحكمها الألعاب في الحي أو الكتب على الرف المكتبي.
اليوم.. يدخل أطفالنا إلى عوالم شاسعة بضغطة زر، يتجولون في فضاء الإنترنت بين المعرفة والترفيه، يتعلّمون ويكتشفون ويتواصلون، لكنهم أيضا على مقربة من مخاطر لا تُرى بالعين. ومع تزايد اعتمادهم على الأجهزة اللوحية والحواسيب للدراسة عبر منصات مثل مدرستي، وكلاسيرا وغيرها، صار لزاماً علينا كآباء وأمهات أن نواكب هذا التحول، لا بالمنع، بل بالرقابة الرقمية الواعية.
الرقابة الرقمية ليست قيداً، بل درع يحمي أبناءنا من الانزلاق في مساحات غير آمنة. فهي استخدام لتقنيات وأدوات تتيح للوالدين إدارة ومتابعة نشاط أطفالهم على الأجهزة الذكية، مثل التحكم في أوقات الاستخدام، وحظر التطبيقات المشبوهة، وتتبع الموقع الجغرافي، وحتى معرفة ما يُحمَّل من محتوى جديد. وهي ليست مجرد تحكّم عن بُعد، بل مشاركة في بناء الوعي الرقمي لدى الأبناء.
تطبيقات مثل Google Family Link وFamilyTime وQustodio تمثل نماذج عملية لهذه الرقابة، إذ تمنح الأهل قدرة على الموازنة بين الحرية والحماية. فهي لا تلغي استقلال الطفل، لكنها تضع له حدودا آمنة تمنع انجرافه وراء محتوى ضار أو علاقات رقمية مجهولة.
وهناك أيضا ميزات مدمجة في أنظمة التشغيل، مثل Screen Time في أجهزة Apple وDigital Wellbeing في Android، التي تساعد الأسرة على تتبع الوقت الذي يقضيه الأطفال أمام الشاشة، وتقديم تقارير أسبوعية لاستخدام التطبيقات والمواقع.
لكن الأمر لا يتوقف عند الجانب التقني، فالتربية الرقمية باتت مهارة أساسية لا تقل أهمية عن تعليم القراءة والكتابة. وتشير الإحصاءات الحديثة إلى أن الطفل العربي يقضي ما بين 4-7 ساعات يوميا أمام الشاشة، وأن أكثر من ثلث المراهقين يتعرضون لشكل من أشكال التنمّر الإلكتروني أو المحتوى المضلل. هذا الواقع يجعل الرقابة الرقمية واجبا تربويا، لا رفاهية يمكن تجاهلها.
من هنا أشددَ بأن (الرقابة الحقيقية) لا تُمارَس بالأوامر، بل بالحوار. فالتواصل مع الأبناء حول ما يشاهدونه ومن يتحدثون معه، وإشراكهم في اختيار التطبيقات التي يستخدمونها، يخلق لديهم إحساسا بالمسؤولية ويمنحهم وعيا ذاتيا تجاه ما هو آمن وما هو خطر.
الطفل الذي يشعر بأن والديه يراقبانه بدافع الخوف سيحاول الهرب، أما الذي يدرك أن الرقابة حبٌّ واهتمام، فسيتعلم كيف يراقب ذاته بنفسه.
ومن المهم أيضا توجيه الأطفال إلى بدائل رقمية آمنة ومفيدة، مثل التطبيقات التعليمية الموثوقة، والمواقع التي تجمع بين الترفيه والمعرفة، وتشجيعهم على أنشطة واقعية تقلّل من اعتمادهم على الشاشة. فالرقابة لا تعني المنع، بل إدارة التوازن بين العالمين الواقعي والافتراضي.
ليست الرقابة الرقمية حربا ضد الإنترنت، بل تدريب على استخدامه بوعي. نحن لا نزرع الخوف في قلوب أبنائنا، بل نغرس البصيرة في عقولهم. وبين كل إشعارٍ يُضيء على شاشتهم، يجب أن يظل هناك ضوء آخر في قلوبهم.. ضوء من الأمان والثقة والمعرفة.
في نهاية المطاف، الرقابة الأبوية الرقمية ليست عيوناً تتجسس من خلف الشاشة، بل قلوب يقظة تحرس من بعيد.
نحن لا نريد أن نخفي عنهم العالم، بل أن نعلّمهم كيف يعيشون فيه بأمان. فحين نُراقب بمحبة، نزرع داخلهم رقابة أعمق(رقابة الضمير).
المراجع والإحصاءات
- UNICEF (2023). Children and Digital Media Use in the Middle East and North Africa.
- تقرير حول استخدام الأطفال للوسائط الرقمية في المنطقة.
- Arab Digital Safety Center (2024). Cyberbullying and Online Safety Among Arab Youth.
- تقرير مركز الأمان الرقمي العربي حول التنمر الإلكتروني بين المراهقين.