قدمت الفنانة التشكيلية خديجة الربعي في معرضها الأول (سكون) مجموعة من الأعمال ويتضمن 62 عملاً فنياً من فن التصوير التشكيلي تتمحور حول نصف البورتريهات النسائية، وكأن تشكيلية خديجة الربعي تستكشف حالات نفسية وعاطفية تسبر أعماقها من خلال هذه الأعمال، وما يمكن ملاحظته من الوهلة الأولى اللمسة الفنية المتميزة باستخدام الألوان والخطوط التعبيرية عن(السكون) بمفهومه العام.
الأعمال المعروضة هي نصف بورتريه (Half a portrait) نساء تتفاوت التعابير في وجوههن بين الوجوم والتأمل والانطوائية.
وتنتمي كل الأعمال للمدرسة التعبيرية (The expressive) رسمت على الكانفس بمقاسات مختلفة، ويلاحظ على الأعمال إنها لا توجد بها خلفية تفصيلية أو عناصر سردية واضحة فقط الوجوه والأشكال النسائية كما أن كل الأعمال ذات التنسيق الرأسي عرضت إما بشكل فردي أو في شكل مجموعات من لوحتين أو ثلاث علقت على جدران المعرض البيضاء مما سلط الضوء على الأعمال بشكل أدق.
استخدمت الفنانة التشكيلية خديجة الربعي لإخراج العمل مجموعة عناصر (Design elements) وهي مجموعة لونية متكاملة تكاد تكون مميزة لكل أعمالها في هذا المعرض وغيره معتمدة على استخدم درجات من الألوان الترابية البني، والرمادي البيج، وممزوجة أحيانا بألوان باردة الأزرق والبنفسجي والأخضر المائي ولم تنسى الفنانة لمسات الألوان الدافئة من الأحمر والبرتقالي على الشفاه أو في أجزاء مختلفة من الثياب، وبوجه عام الألوان مدمجة) Blended colors) وليست صافية تماما مما يعطي إحساسا بالعمق والتعقيد أما عن الخطوط في هذه الأعمال فهي خطوط انسيابية ليست حادة بل أنها فضفاضة وعفوية خاصة في رسم الشعر والملابس مما يعطي المتلقي إحساسا بالحركة أو التشويش أما الأشكال فهي في الأساس أشكال بشرية مع التركيز على الجزء العلوي من الجسد والوجه.
التحليل الشكلي (Structure - construction) عند استخدام الألوان ملاحظ تباينات لونية قوية بين الخلفيات التي تكون في الغالب زرقاء أو بنفسجية هادئة والشخصيات التي تبرز وجود درجة لونية أكثر دفئاً أو تعقيداً هذا التباين يخلق عمقاً بصرياً ويجذب العين نحو الموضوع الرئيسي.
الألوان تستخدم لتعزيز الحالة المزاجية الأزرق والرمادي تساهم في إحساس السكون أو التأمل، أما النسيج والملمس (Texture and feel) فتظهر ضربات الفرشاة بوضوح؛ خاصة في الشعر والملابس مما يخلق نسيجا ًبصرياً خشناً وغنياً بعض الشيء. (The lines) الخطوط ليست دقيقة التفاصيل، بل تعتمد على الإيحاء والتشويش مما يعكس حالة داخلية مضطربة أو متأمّلة للشخصية داخل اللوحة.
ومن حيث التكوين فنجد على الرغم من أن الأعمال تركز على الوجوه إلا أن التكوين مركزيا مع بعض التحويرات بوجود جزء من الكتفين أو الجذع يساعد على تأطير الوجه و يمنح اللوحة إحساسا بالاستقرار أما التوازن فيتحقق من خلال توزيع الكتل اللونية والمساحات الفاتحة والداكنة على جسم اللوحة نجد أن الفنانة خلقت نوعاً من الإيقاع والتكرار يتضح الإيقاع في تكرار موضوع البورتريه النسائي لكن مع اختلاف في تعبير الوجه والألوان المستخدمة .هذا التكرار عزز الفكرة المحورية للمعرض (سكون) ويظهر تنوع التجربة الإنسانية داخل هذا المفهوم.
إن المعنى الرمزي للوجوه في هذه الأعمال يبدو وكأنه نوافذ على حالات نفسية عميقة السكون في العنوان قد لا يعني الهدوء التام بقدر ما يعني حالة من التأمل الداخلي أو ربما الوجوم والانطواء تبدو النساء وكأنهن في لحظات من العزلة الذاتية سواء كانت هذه العزلة سليمة صحيحة اختيارية أو أنها محملة ببعض القلق أما عن التعبير العاطفي الظاهر في الأعمال بشكل غير مباشر فيتضح من خلال وضعية الرأس إغلاق العينين جزئيا أو حتى طريقة وصل الشعر المتناثر الذي قد يرمز إلى حالة من الفوضى الداخلية والتفكير العميق. هناك شعور بالضعف أو الحساسية في بعض الأعمال والقوة الناعمة في أعمال أخرى وساهمت ألوان الباردة في خلق جو من الهدوء أو الحزن بينما تبرز اللمسات الدافئة كعلامات على الحياة الداخلية أو العواطف المكبوتة التي تحاول الظهور. كما أن الألوان الداكنة في الخلفية قد ترمز إلى الظلال النفسية أو العمق الروحي، ويبدو أن الفنانة خديجة الربعي أوصلت رسالتها في هذا المعرض حيث تريد أن تستكشف من خلال هذه البورتريهات جوانب مختلفة من السكون الأنثوي سكون التأمل سكون الانتظار، سكون الحزن، أو حتى سكون القوة الداخلية إنها دعوة جامحة للتأمل في العوالم الداخلية غالبا ما تكون مخفية خلف السطح.
(finishing) انهت الفنانة أعمالها بجمالية خاصة في استخدام الألوان والخطوط مما يدل على مهارة فنية في التعبير عن المشاعر استخدام عناصر بصرية ضربات الفرشاة الحرة والأسلوب التعبير يضيفان إلى قوة العمل أما في التأثير العاطفي فقد نجحت الأعمال في إثارة شعور التعاطف أو الفضول لدى المتلقي فهي تجذب العين وتدعو للتأمل فيما وراء السطح المرسوم ، وهذا هو جوهر الحركة التعبيرية في الفن (The essence of expression) وقد نجحت الفنانة خديجة الربع في تحقيق هدفها باستكشاف مفهوم السكون من خلال هذه البورتريهات و قدمت مجموعة متماسكة من الأعمال التي تعكس رؤيتها الفنية وتترك انطباعا ًقوياً وعلى الرغم من أن موضوع البورتريه قديم قدم التاريخ وليس جديداً، أو عصرياً إلا أن الأسلوب الذي استخدمته خديجة الربعي في معالجة الوجوه والألوان يمنح أعمالها طابعاً أصيلاً ومميزا فهناك بصمة شخصية واضحة في كل لوحة من لوحاتها وبوجه عام يمكن اعتبار معرض سكون للفنانة خديجة الربعي معرضا ناجحاً فنياً، حيث يقدم أعمالاً مؤثرة تحمل قيمة جمالية وعاطفية، وتدعو للتفكير في تعقيدات الحالة الإنسانية وخصوصا الجانب الأنثوي الغامض من ا(لسكون) وما يحمله من أبعاد نفسية عميقة.
** **
- رفيعة البيشي
Drem2008@hotmail.com