سارة الشهري
مؤخراً أصبحت العين معتادة على قراءة الأخبار المروِّعة التي تتحدث عن حوادث عنف وقتل تقع في مجتمعاتنا العربية، لكن الأكثر إيلاماً أن يكون أبطال هذه القصص أطفالاً أو مراهقين في المدارس! وعندما يتساءل البعض: ما الذي أوصل أبناءنا إلى هذا الحدِّ من القسوة؟ ما الذي بدَّل فيهم البراءة إلى نزعة عدوانية غريبة عن فطرتهم؟ هل لما يشاهدونه من أفلام وألعاب إلكترونية دور في تغذية هذا السلوك؟ نعم مع الأسف الشديد.. لم تعد مشاهد العنف في الأفلام والألعاب الإلكترونية مجرد لقطات عابرة تُستهلك بهدف الترفيه، بل أصبحت جزءاً من الثقافة اليومية التي يتشبع بها المراهقون والشباب من خلال الشاشات الصغيرة والكبيرة على حدٍّ سواء. إنّ انتشار المحتوى العنيف، بمختلف أنواعه وأشكاله، بات قضية تربوية ونفسية واجتماعية تستحق الوقوف عندها طويلاً، لأنها تمسّ جوهر تكوين شخصية الجيل الجديد وسلوكياته في الواقع.
في الماضي، كان الطفل أو الشاب يتلقى صور العنف من محيطه المحدود، من الحي أو المدرسة أو بعض القصص التي تُروى له. أما اليوم، فقد أصبحت تقنيات الصورة والصوت والتفاعل المباشر في الألعاب الإلكترونية تُقدّم له خبرةً واقعيةً للعنف، يشارك فيها بنفسه لا كمشاهد فحسب، بل كفاعلٍ يمسك بالسلاح الافتراضي ويقضي ساعاتٍ في القتال والتدمير. وهنا تكمن الخطورة الكبرى حين يتكرر الفعل ويتحوّل إلى عادة ذهنية وعاطفية تزرع في النفس استعداداً لا شعورياً لتقبّل العنف، وربما ممارسته.
تشير دراسات علم النفس التربوي إلى أنّ كثرة التعرض لمشاهد العنف تضعف الحسّ الإنساني بالتعاطف، وتؤدي إلى ما يسمى بـ(التبلّد العاطفي) أي فقدان التأثر بمعاناة الآخرين. فالشاب الذي يشاهد مئات المشاهد الدموية يومياً أو يشارك فيها ضمن لعبة يصبح أقل استنكاراً للعنف الحقيقي في الواقع، وأكثر قابلية لتبريره أو حتى تقليده. كما أن هذه المشاهد تغذي سلوك العدوانية اللفظية والجسدية، وتؤثِّر على طريقة التفكير في حلِّ المشكلات، بحيث يميل الفرد إلى استخدام القوة بدل الحوار والتفاهم.
ولا يقتصر الأثر على الجانب السلوكي فحسب، بل يمتد إلى البناء النفسي. فالإفراط في التعرُّض لمشاهد العنف يخلق توتراً داخلياً دائماً، ويزيد من مستويات القلق والانفعال، خصوصاً لدى المراهقين الذين لم تكتمل لديهم بعد القدرة على التمييز بين الخيال والواقع. وقد تُترجم هذه الاضطرابات إلى مشكلات اجتماعية، مثل ضعف التواصل الأسري، وانعزال الشباب في عوالم افتراضية تعيد إنتاج العنف بصيغ جديدة.
لكن في المقابل، لا يمكن أن نحمل السينما والألعاب كامل المسؤولية. فغياب الرقابة الأسرية، وضعف التوجيه التربوي، وانشغال المؤسسات التعليمية عن دورها في بناء القيم والسلوك، كلها عوامل تترك المراهقين فريسة لمحتوى يوجّههم دون وعي. الحل لا يكمن في المنع المطلق، بل في ترشيد الاستخدام، وغرس الوعي النقدي لدى الأبناء، ليصبحوا قادرين على التمييز بين التسلية المباحة والرسائل الخفية التي تشكّل عقولهم.
إنّ مسؤولية حماية النشء من آثار العنف البصري مسؤولية مشتركة بين الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام وصنَّاع المحتوى. فكل مشهد عنيف يشاهده الطفل اليوم قد يتحول إلى فكرة أو سلوك غداً، وما بين اللقطة الأولى والفعل الواقعي مسافة قصيرة لا يدركها إلا من وعى أن الخيال ليس دائماً بريئاً، وأن الصورة مهما بدت مجرد تسلية قد تترك في الوجدان أثراً لا يُمحى.