عندما تولى الأمير محمد بن سعود بن محمد بن مقرن عام 1139هـ إمارة الدرعية كان له بعد نظر واهتمام بتوحيد أحيائها وجعلها تحت حكم واحد، كما اهتم بأمورها الداخلية والسعي على استقلالها عن إمارات البلدان المجاورة لها؛ ونظراً لكثرة الخلافات بين هذه البلدان والصراع على الإمارة فيها، كان لابد من العمل على توسيع رقعة البلاد ونشر الأمن والتعليم بين أفراد المجتمع، وجعل المنطقة ذات حكومة مركزية تديرها الدرعية بدلاً من تفرقها.
ولما قَدِم الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى الدرعية عام 1157هـ على الإمام محمد بن سعود تعاهدا على نشر الأمن والعلم ولم الشمل، فبدأ تكوين الدولة السعودية الأولى وانضمت بعض البلدان طواعية لما كانوا يدركون أن الوحدة أفضل من التشتت، وبقي البعض الآخر لم يدخل في الطاعة إلا بعد إرسال حملات عليها، وقد كان تعيين أمراء القرى يتم غالبًا من خلال اختيار أو إبقاء الشخصيات المؤهلة من أهل البلدة نفسها، أو من خلال إرسال أمراء من قبل الإمام لضمان ولاء أهل البلد له. ولقد كانت بلدة تمير من أوائل البلدان التي دخلت في الطاعة لما كان يعرف عن أهلها من أن الفرقة والنزاع لا يورث إلا الحروب والقتال ما لم يكن تحت حكم مركزي، مثلما كان يحدث في بلدان نجد والذي من ضمنه قرى سدير التي كانت تعج بها الصراعات قبل أن ينتقلوا منها إلى تمير. وقد ساند أهل تمير الدولة السعودية الأولى بعدما انضمت بلدان سدير قاطبة عام 1188هـ للدولة السعودية الأولى.
ففي عهد الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود الذي تولى إمامة الدولة السعودية الأولى من عام 1179هـ إلى عام 1218هـ حدث أنه في سنة 1195هـ كما في تاريخ ابن بشر اجتماع قبائل بعض العربان المناوئة للدولة السعودية لمهاجمة القبائل الموالية لها، قال ابن بشر: ونزلوا على مبايض الماء المعروف بمجزل قرب سدير، فسار سعود إليهم بالجنود المنصورة من الحاضر والباد، فلما أشرف عليهم استكثرهم فرجع إلى أرض بلد تمير في طرف مجزل واستنفر أهل سدير ركباناً ومشاة فنفروا إليه مسرعين، فنازل تلك العربان على مائهم وتقاتلوا قتالاً شديداً انتهى بهزيمتهم. وممن ذكر نزول الأمير سعود في تمير ابن غنام بقوله (فارتحل سعود عنهم ونزل بأرض تمير، ثم أرسل إلى مدد من أهل سدير فأقبلوا سراعاً إليه وقدموا فوراً عليه)، وكذلك حسين خزعل بقوله ( فلما أشرف الأمير - أي سعود - عليهم هاله كثرتهم فرجع بجيشه إلى بلد تمير واستنفر أهالي سدير فخفوا لنصرته رجالاً وفرساناً). وقال المستشرق عبدالله فلبي (وانطلق سعود من موقعه لمواجهتهم لكن عِظَم تعداد قواتهم جعل سعوداً يحجم عن مداهمتهم بشكل مباشر وتراجع إلى منطقة تمير بانتظار التعزيزات التي طلبها، وبعد وصول التعزيزات تقدم بقواته نحوهم وألحق بهذا التجمع هزيمة نكراء). فنزول الأمير سعود في تمير واجتماع مدد جيوش أهل سدير فيها يؤكد ولاء أهل تمير للدولة السعودية الأولى، كما ذكر المؤرخ الفرنسي فليكس مانجان كشفاً بأسماء الأقاليم والمدن والقرى وعدد الرجال القادرين فيها على حمل السلاح وعدد النساء والأطفال والشيوخ والمعاقين في الدولة السعودية الأولى، وذكر منها إقليم سدير الذي منه بلد تمير التي تعد من بلدان سدير المشهورة في عهد الدولة السعودية الأولى، حيث ذكر أن عدد الرجال القادرين على حمل السلاح في سدير 6000 رجل وعدد النساء والأطفال والشيوخ والمعاقين 21000 فرد، وذكر أن الرجال القادرين على حمل السلاح يأتمرون بأمر سعود ومن بعده ابنه عبدالله وكانا عند الحاجة يقدران عدد الجنود الذين ينبغي على كل منطقة تقديمه ويرسلان بذلك إلى زعماء الأقاليم أو المدن، وكان لتمير نصيب من هؤلاء الستة آلاف من الرجال القادرين على حمل السلاح.
الأمير كديان بن مانع
تزخر الوثائق المحلية بمعلومات عن الحالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتاريخية والشرعية وغيرها من المجالات الأخرى، وقد عنيت بعض الجهات الحكومية والخاصة بجمع هذه الوثائق واستفاد منها الباحثون في معرفة جوانب من الحالات في أبحاثهم ودراساتهم، وبقيت وثائق أخرى ما زالت محفوظة لدى أهلها، إلا أن بعضهم لم يمانع من إمداد الباحثين بوثائقه، ومنهم الأستاذ محمد بن حمد المناع الذي أمدني بعدد من وثائق أسرته.
يعد الأمير كديان بن مانع الذي يرجع نسبه إلى آل عبهول من آل أبوحسين من بني تميم أمراء حوطة سدير، وقد كان جده عبهول أميراً على حوطة سدير عام 1097هـ وهو من أقدم من تولى إمارة معروفة في تمير عام 1226هـ من خلال الوثائق ومنها هذه الوثيقة التي سنتحدث عنها والتي ذكرها الأستاذ فهد بن محمد آل عبدالله في تغريدته.
ولكديان بن مانع من الأخوة فيصل جد أسرة الفيصل المعروفة في تمير وإبراهيم وعبهول وناصر، ومن الأبناء ناصر ومحمد ومن البنات عينا زوجة حمد بن صبيح، وسارة زوجة تركي بن عضيب، وسلما زوجة حمد بن هلال، وهيا وبتلى وهي التي عناها الشاعر بقوله:
أبوك يضاوي بسيوفه شيخ للديرة حاميها
كما أنه خالٌ لمناع ومنيع ومفرج وعبدالله أبناء محمد.
ولهذا نجد أن كديان بن مانع له علاقة بعدد كثير من أسر أهل تمير إما أباً أو عماً أو خالاً أو جداً لأبناء وأحفاد ذريته.
وقد تولى كديان إمارة تمير بناء على رغبة أهلها، ويظهر أن الإمام سعود بن عبدالعزيز الذي تولى إمامة الدولة السعودية الأولى بعد والده عبدالعزيز من عام 1218هـ إلى 1229هـ قد أقره على ذلك.
من مهام الأمير كديان بن مانع
يعد أمير القرية بمثابة الحاكم المحلي حيث يتولى عدة مسؤوليات مثل إدارة أمور شؤون القرية والمحافظة على الأمن والنظام وحل القضايا الصغيرة والإشراف على المعاملات والمحاصيل والزكاة والشؤون الاجتماعية والولاية على القصر، وتمثيل البلاد لدى الجهات العليا في إمدادهم بالرجال والسلاح عند الحاجة للغزوات، وغير ذلك من المهام التي ليس هذا المجال لتفصيلها.
نص الوثيقة
(بسم الله الرحمن الرحيم
مضمونه أن كديان بن مانع حال إمارته على تمير وحال كونه ولياً على عيال محمد بن منصور فباع كديان نخل محمد بن منصور المسمى البطحا محيوز معلوم مشهور شهرته تغني عن التحديد على ناصر بن مناع بثمن قدره اثنان وثمانون ريالاً وموجب ذلك البيع لقضا ما على الميت من الدين لابن عيسى شهد على ذلك جماعة من المسلمين منهم إبراهيم بن ربيعة وحصيني وشهد به وكتبه علي بن ساعد حرره يوم سابع من جمادى الثاني من سنة 1226ست وعشرين ومائتين وألف وكتبه من خط علي بن ساعد بعد معرفته يقيناً عثمان بن منصور).
شرح الوثيقة
توفي محمد بن منصور من أهل تمير وكان لمحمد أبناء قصر وعليه دين من جهة ابن عيسى، وحيث إن له أملاكاً في تمير منها الملك المسمى بالبطحا وهو ملك معروف في ذلك الوقت، فكان لابد من بيع هذا الملك من أجل تسديد الدين، فتولى أمير تمير كديان بن مانع ولايته على عيال محمد بن منصور ونظراً لعدم وجود قاضٍ في تمير حيث كانت تبعية القضاء من قبل الإمام سعود في سدير في بلد جلاجل وعند القاضي علي بن ساعد الذي عيَّنه الإمام سعود بن عبدالعزيز قاضياً فيها وتوفي - رحمه الله - في جلاجل عام 1229هـ، وقد يكون هذا القاضي ممن ولى الأمير كديان على عيال محمد بن منصور؛ لأن هذه من مهام القاضي أو الحاكم فتم البيع على ناصر بن مناع جد أسرة المناع الناصر من أهل تمير بمبلغ وقدره اثنان وثمانون ريالاً عام 1226هـ وهكذا ذا تم تسديد الدين الذي على الميت وبرئت ذمته.
ومن أبناء محمد بن منصور مشل جد أسرة المشل الذي انتقل من تمير إلى المذنب في القصيم واشترى موضع اللصافة عام 1277هـ. ومن بنات محمد، شماء التي باعت على ابن أختها علي بن حمد بن عيسى نصيبها من أبيها بثلاثة عشر ريالاً في المراكزة في الطامنة في جنوبي تمير عام 1269هـ، كما باعت على عيال ناصر بن مناع نصيبها بمبلغ خمسة وسبعين ريال فرانسة عام 1288هـ وغيرهم.
ولقد شهد على هذه الوثيقة إبراهيم بن محمد بن ربيعة وحصيني بن إبراهيم بن جدعان وهما من أعيان بلد جلاجل ولهم شهادات في وثائق أخرى تدل على عدالتهما وقبول شهادتهما من قبل القضاة، ونقل الوثيقة الشيخ والقاضي المعروف عثمان بن عبدالعزيز بن منصور ولاه الإمام تركي قضاء بلده جلاجل كما ولاه الإمام فيصل بن تركي قضاء حائل، ثم ولاه قضاء سدير. وتوفي - رحمه الله - عام 1282هـ في حوطة سدير.
المراجع
* منطقة سدير في عهد الدولة السعودية الأولى د. عبدالله التركي.
* عنوان المجد في تاريخ نجد لابن بشر.
* تاريخ الشيخ ابن غنام.
* حياة الشيخ محمد بن عبدالوهاب لحسين خلف حسين خزعل.
* العربية السعودية من سنوات القحط إلى بوادر الرخاء عبدالله فلبي.
* تاريخ الدولة السعودية وحملات محمد علي على الجزيرة العربية ترجمة محمد البقاعي.
* تاريخ البلاد السعودية الأولى للدكتور منير العجلاني.
* جريد الجزيرة العدد رقم 10321 يوم الأحد 5 شوال 1421هـ.
* حوطة سدير هذه بلادنا لعبدالكريم المعجل.
* الباحث خالد بن برغش البرغش.
* علماء نجد للشيخ عبدالله البسام.
* الإمام سعود بن عبدالعزيز وجهوده في الدعوة إلى الله.
** **
كتبه: محمد بن عبدالعزيز الفيصل - مدينة تمير