بريدة - خاص بـ«الجزيرة»:
قال الأستاذ سليمان بن إبراهيم بن عبدالله المشيقح مفسر الأحلام إن تعبير الرؤى ليس مهنة كما يتصور البعض، بل إلهام من الله سبحانه وتعالى، مشيراً إلى بداية علاقته بتفسير الأحلام عندما كان طالباً في المعهد العلمي ببريدة قبل خمسين عاماً، وكانت على نطاق ضيق لبعض الزملاء.
وأبان الأستاذ سليمان المشيقح في حواره مع «الجزيرة» أن الحديث عن الرؤى وضوابطها، وأحكامها وطرقها، ذو أهمية بالغة، خاصة في هذا الزمن الذي اختلط فيه الحق بالباطل، وتحدث في الرؤى وأوَّلها من ليس أهلاً لذلك. كما تناول الحوار عدداً من الموضوعات المتعلقة بتعبير الرؤيا، وفيما يلي نص الحوار:
* بداية ألا ترى أن الحديث الكثير عن الرؤى يأخذ الإنسان من عالم الواقع إلى عالم الخيال؟
- الحديث عن الرؤى وضوابطها، وأحكامها وطرقها، ذو أهمية بالغة، خاصة في هذا الزمن الذي اختلط فيه الحق بالباطل وتحدث في الرؤى وأوَّلها من ليس أهلاً لذلك، ويمكن إجمال الأسباب التي شجعتنا على الكلام في هذا الأمر المهم ما يلي: غلو البعض في تقدير الرؤيا ورفعها فوق مكانتها، حتى يعتبرها تشريعاً، أو ينقض بها شرع الله، فيحلل الحرام أو يحرم الحلال بناء على رؤيا رآها، أو يدعي بها علم شيء من الغيب، واستهانة بعضهم بها والتفريط في شأنها، فلا يراها شيئًا، بل يقلل من قيمتها، ويعتبرها كلام عجائز، وخرافات وأساطير.
وتبياناً للمنهج الوسط فيها، فلا إفراط ولا تفريط، فهي ليست وحياً وتشريعاً، كما أنها ليست عبثًا وتخليطاً، بل منها ما هو حق ومنها ما هو باطل، وكذلك لارتباطها بواقع الناس، فكثيراً ما يتحدث الناس عنها خاصة النساء، فهي مما تدعو الحاجة لبيانه وإيضاحه.
* ما قيمة الرؤيا وأهميتها في الإسلام؟
- خلافاً للكثير من الناس الذين لا يجعلون للرؤيا شأناً، ولا يقيمون لها وزناً، فإن الله جعل لها منزلة عظيمة، وأهمية بالغة، ويتضح لك ذلك من فوائدها التالية: تقول عائشة - رضي الله عنها -: (أول ما بدئ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح. الحديث، وفي الحديث الآخر، قوله الرؤيا جزء من ست وأربعين جزءاً من النبوة، وإنما كانت الرؤيا جزءاً من النبوة لأن فيها ما يعجز ويمتنع، كالطيران وقلب الأعيان والاطلاع على شيء من علم الغيب، ولا خلاف بين أهل الحق أن الرؤيا الصادقة حق وأنها من الله، لا ينكرها إلا أهل الإلحاد وشرذمة من المعتزلة.
قال الخطابي: قيل معناها: إن الرؤيا تجيء على موافقة النبوة، لا أنها جزء باق من النبوة، وقيل المعنى: أنها جزء من علم النبوة، لأن النبوة وإن انقطعت فعلمها باق.
وسأل أبو الدرداء رسول الله، عن قوله تعالى: (لهُمُ الْبُشْرَى فِي الحَياةَ الدُّنْيَا وفي الآخرة)، فقال: ما سألني أحد عنها غيرك منذ أنزلت، هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرى له.
* هناك من يعول على الرؤى في المكان، وربما الأشخاص.. كيف ترون ذلك؟
- نعم، أصول الرؤيا الرمزية تدور على (الجنس، والصنف، والطبع). فالجنس: كالشجر والطير والحيوان، والصنف: وهو أن يتعلم صنف تلك الشجرة من الشجر، وذلك الطائر من الطير، وذلك الحيوان من الحيوانات، والطبع: تنظر ما طبع تلك الشجرة فيكون طبعًا للرجل حسب الحديقة، وإن كان طائرًا علمت أنه رجل ذو أسفار لحالة الطير في عدم الاستقرار، وإن كان حيواناً فتنظر طبعه ثم تنسبه إلى رجل هذا طبعه، ومن الأمثلة على ذلك: فالشجر مثلاً رمز إلى الشجار والخلاف، والطير دل على الانتقال من مكان إلى مكان، وكذلك الإنسان اللحية مثلاً إزالتها بالمنام ربما دلت على الانتقال للإمام من مكان إلى مسجد آخر، وتعبر بالاشتقاق والأسماء مثلاً سلمان لسلامة من الشر، وفراج فرج للإنسان وقد عبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: كنت في بيت عقبه ابن رافع فأوتيت برطب من رطب ابن طال، قيل بما أوَّلت ذلك يا رسول الله قال: الرفعة لنا بالدنيا والعاقبة بالآخرة وأن ديننا قد طاب.
* إلامَ تعزو انتشار الرؤى والأحلام عبر القنوات الفضائية، ومواقع التواصل الاجتماعي؟
- يجب الاحتراز منه، فإذا اهتم الإنسان بشيء ما، وأشغله في واقعه، فإنه كثيرًا ما يرى في منامه، ومرجع ذلك هم قلبه فإن كان مشتغلًا بالدين والإيمان رأى ما يناسب ذلك، كصحابة رسول الله الذين يحدثونه برؤاهم كل يوم، وإن كان مشغولًا بدنياً كزواج أو دراسة أو تجارة، فإنه غالبًا ما يرى أو يحلم أو يحدث نفسه بما يناسب ذلك.
والعجز وعدم التمكن من الشيء فإذا أغلقت أمام الإنسان الأبواب في أمر ما، رأى في منامة فتحاً له، والتطلع للمجهول والغيب الذي أخفاه الله لحكمته عن الإنسان، لكنه بطبعه يتطلع لمعرفته وبهذه الحالة عليه اللجوء إلى معبِّر عُرف عنه العلم والأهلية والثقة، ولا يسأل كل معبر. والقاعدة أن كل ما يكره الإنسان بالمنام لا يعبر وحديث النفس لا يعبر، ولا يعبر سوى الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو تُرى له، ولا يعبر كل منام، بل الأفضل أن تُعبر الرؤى، إذا أهم بأمر تجاره مثلاً وزواج ونحوه
والله أعلم.
* ما أكثر الرؤى التي عُرضت عليك، وما أغرب ما فسرت؟
- الرؤى التي سُئلت عنها كثيرة، منها: امرأة تقول ابني رأى أن له في رجله 6 أصابع، فقلت أنتِ لكي 5 من الأولاد، قالت: نعم، وتبنيتي طفلاً واحداً قالت: نعم صحيح، قلت كتبه الله لكِ ولداً بالأجر والاحتساب، والرجل دلت على الكسب وأنت امرأة ميسورة الحال.
ومن الرؤى رجل سأل قال: دخلت الحمام للبول فتقطع ذكري بالمرحاض، قلت له زوجتك أسقطت بولد فذهب ذكره لك.. وسألني رجل قال: كنت نائماً فرأيت زوجتي بجانبي وعليها أجمل زينة، فجاء رجل قبيح ليمسك بالزوجة فصرخت واستيقظت، فقلت له أنت موظف وتعمل باسم سجل للزوجة، وترغب بالزواج والرؤيا نذارة لك لو فعلت وكلت عليك لتسلبك المال الذي جمعته من سجلها التجاري، والرجل الذي رأيت هو الزمن المكروه الذي رأيت بالمنام. ورجل اتصل علي فجراً منزعج يقول رأيت بالمنام عند زوجتي بالغرفة صديقي، قلت له هل زوجة صديقك صديقة لزوجتك قال: نعم، قلت أنت تقصر على زوجتك بالنفقة فتأخذ مساعدة من زوجة صديقك، وزوجة صديقك تأخذ من زوجها، فكأن صديقك يصرف على زوجتك والزوج قيم على المرأة بالنفقة؛ لذا رأيته بالمنام عند زوجتك؛ لذا أعطِ الزوجة ما يكفيها ليذهب ما رأيت إن شاء الله.. ورجل سألني قال: رأيت بالمنام زملائي بالاستراحة في غرفتي بالمنام، قلت أنت رجل تصف ما تلبس الزوجة وسيرتها معك فكأنك أحضرتهم لغرفتك فاتق الله يذهب عنك ما رأيت.
وقال لي رجل رأيت بالمنام صديقاً لي بالمنام عليه ثياب متسخة وشبه ممزقة، فقلت له يلحقك هَم، فاستعذ بالله من الرؤيا؛ لكون تردي حال الصديق بالمنام تردياً لحال الرائي والعكس عدوك بالمنام تردي حاله باللباس ونحوه بالمنام سعادة وفرح لك تدركه، فالرؤيا بهذا تأتي معكوسة وفقك الله.
وقال لي رجل رأيت أني أصلي بالجماعة فكانت الركعة الأولى والثانية والثالثة أتممتها ثقيلة وبجهد والرابعة أتممتها خفيفة، فقلت له أنت إمام وعندكم بالمسجد مأموم رجل تتعب منه قال صحيح، قلت يرحل عنكم بعد ثلاثة أيام فترتاح فنقل عن الحارة، وبالفعل اتصل علي، وقال: لقد ارتحل الرجل سبحان الله، والرؤى بذلك كثيرة وفقك الله.
* ما رأيكم بمن يقول إن تعبير الرؤى مهنة من لا مهنة له؟
- من قال إن تعبير الرؤى مهنة أخطأ؛ لأنها إلهام من الله سبحانه قال تعالى في سورة يوسف (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).
* هل تستطيع التمييز بين الرؤى وأضغاث الأحلام؟
- التمييز بين الرؤى والأحلام واضح في الحديث النبوي وهي رؤيا من الله، ورؤيا ما يحدث به المرء نفسه، ورؤيا من الشيطان، فإذا رأى أحد منكم ما يكره فلينفث على يساره ثلاثاً ويستعيذ بالله من شرها ومن شر ما رأى، ويحول جنبه ولا يخبر بها أحداً فإنها لا تضره. ولا يعبر سوى الرؤى الصالحة يراها المؤمن أو تُرى له، وهي تأتي على ثلاث بشارة ونذارة ومعاتبة.
* إلامَ تعزو انتشار معبري الرؤى والأحلام في القنوات الفضائية، ومواقع التواصل الاجتماعي؟
- أما كثرة الأحلام والمعبرين فإنه بقدر الأهمية البالغة للرؤى، فإنه من المهم إيجاد المعبرين المختصين الذين يفكون رموزها والقادرين على إدراكها وفهم دلالة رموزها وتجميع عناصرها وربطها بواقع الرائي لإدراك المعنى الكلي للرؤيا، والأمثال بالقرآن الكريم والسنة النبوية كلها أصول لعلم التعبير لمن أحسن النظر والاستدلال بها وأمثلتها أكثر من أن تحصى.