مهدي آل عثمان
منذ أن تولى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- مقاليد الحكم عام 2015، والمملكة تشهد تحوّلًا تاريخيًا شاملًا في مختلف القطاعات التنموية، وتوافق ذلك مع إطلاق رؤية المملكة 2030 على يد سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- عام 2016، لتكون خارطة طريق لبناء وطن مزدهر وإنسان مبدع.
وقد جاء التعليم في قلب هذه الرؤية باعتباره الركيزة الأساسية لتنمية رأس المال البشري، والضامن لاستدامة التنمية والتنافسية العالمية.
لقد أكّد سمو ولي العهد في كلماته الملهمة أن التعليم يشكل محور التغيير نحو المستقبل، حين قال: «سيكون هدفنا أن يحصل كل طفل سعودي أينما كان على فرص التعليم الجيد وفق خيارات متنوعة، وسيكون تركيزنا أكبر على مرحلة التعليم المبكر.» هذه العبارة ليست مجرد وعد، بل التزام وطني يعكس عمق الرؤية نحو بناء جيل يمتلك أدوات المعرفة والإبداع، ويستطيع أن يواكب التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم.
لقد أدركت القيادة الرشيدة أن أي نهضة حقيقية تبدأ من المدرسة، وأن تطوير التعليم ليس خيارًا بل واجب وطني.
ومن هنا انطلقت مشاريع التطوير الشاملة التي استهدفت تحديث المناهج، ورفع كفاءة المعلمين، وإعادة تعريف مفهوم العملية التعليمية بأكملها. فلم يعد التعليم كما كان في السابق قائمًا على التلقين والحفظ، ولم يعد المعلم هو المحور الوحيد في الصف الدراسي، بل أصبح الطالب شريكًا فاعلًا في عملية التعلم. وتحولت الفصول إلى ورش عمل تفاعلية يتبادل فيها الطلاب الأفكار والخبرات، ويعملون ضمن مجموعات تعلم تعاوني تُنمّي مهارات الحوار والتفكير النقدي وحل المشكلات. كما أصبحت التقنية التعليمية جزءًا أصيلًا من البيئة الصفية عبر المنصات الرقمية والأدوات الذكية التي تمكّن المعلم من إدارة تعلم ديناميكي متجدد، يتجاوز حدود السبورة والكتاب إلى فضاء المعرفة الواسع.
وفي إطار تحقيق هذه الرؤية، برزت شراكات نوعية مثل منصة البرامج التدريبية (تطّور) والتي تعمل في نسختها الثانية وتسهم في إحداث نقلة نوعية في تدريب وتأهيل المعلمين والقيادات المدرسية، حيث تبنت المنصة بالشراكة مع وزارة التعليم برامج تطويرية مستمرة تستهدف رفع الكفاءة المهنية وتعزيز ثقافة الإبداع والابتكار في الميدان التعليمي. وتتجلى هذه الجهود في برامج نوعية مثل مهارات البحث الإجرائي وبرامج مهارات التفكير وبرامج مهارات الإدارة والتخطيط، التي أُطلقت ضمن منظومة التدريب العنقودي بحيث تُنقل المعرفة إلى كل منطقة تعليمية وتصل إلى جميع المدارس والمعلمين، تحقيقًا لمبدأ التنمية المهنية المستدامة.
لم يعد التدريب اليوم مجرد دورة قصيرة أو لقاء نظري، بل أصبح مشروعًا وطنيًا متكاملًا يهدف إلى بناء معلم يمتلك مهارات القرن الحادي والعشرين، كقيادة الصف وتحفيز الطلاب وإدارة الحوار وتوظيف التقنية الحديثة في التعليم. إن هذا التحول المنهجي يسير بخطى واثقة نحو تحقيق مخرجات تعليمية عالية الجودة تواكب متطلبات سوق العمل وتنسجم مع تطلعات رؤية المملكة إلى اقتصاد معرفي قائم على الابتكار والبحث العلمي.
إن التغيير في التعليم قادم لا محالة، وهو ليس مجرد شعار بل واقع يفرض نفسه يومًا بعد يوم. إننا اليوم أمام مرحلة جديدة من العمل التربوي تتطلب من المعلمين والمعلمات أن يكونوا جزءًا من هذا التحول لا على الهامش منه، فالمعلم الذي يواكب التغيير ويؤمن به هو الذي يصنع الفارق ويسهم في بناء الجيل القادر على التفكير والإبداع والمنافسة في عالم متغير وسريع الإيقاع.
إن الإيمان بالتغيير هو أول خطوة نحو النجاح، والمملكة ماضية بعزم قيادتها نحو مستقبل تعليمي يليق بمكانتها وطموحاتها. فلنكن جميعًا على قدر هذه المرحلة ولنترجم أهداف رؤية 2030 إلى واقعٍ يعيشه أبناؤنا في فصولهم، وليكن شعارنا الدائم:
التعليم يصنع المستقبل، والتغيير فيه مسؤولية الجميع.