يُعدّ الفن التشكيلي أحد أهم الوسائل التي ابتكرها الإنسان للتعبير عن رؤيته للعالم من حوله، فهو لغة بصرية تتجاوز حدود الكلمات، وتعتمد على اللون والخط والرمز لتقديم قراءة مختلفة للواقع، وفي عالم تتسارع فيه التحوّلات، يبقى الفن مساحة للتأمل والعودة إلى الجذور، ونافذة يرى من خلالها المتلقي ذاته والآخر والمكان.
في هذا السياق، قدّم الفنان التشكيلي عادل الخمري معرضه الشخصي الأول بعنوان «منمنمات تجريدية» في جاليري نايلا بالرياض، حيث اصطحب الجمهور في رحلة بصرية تستلهم الإبداع والمشاعر وتعيد صياغتهما بلغة حديثة تجمع بين الدقة والمنمنمات من جهة، وروح التجريد من جهة أخرى.
استعرض الفنان السوري ابن الفرات في أعماله رؤية تستحضر علاقة الإنسان بالأرض التي نشأ عليها. فقد تحوّلت التفاصيل الصغيرة داخل اللوحات إلى رموز بصرية تنبض بالحياة، بينما تداخل الخط مع اللون ليشكلا حوارًا بصريًا متناغمًا يستدعي ذاكرة المكان والإنسان. تتنوّع الطبقات اللونية في هذه المنمنمات لتكشف عن أبعاد رمزية عميقة، تدفع المتلقي للتأمل في العلاقة بين الماضي والحاضر وبين الإنسان والطبيعة، وبين التجربة الفردية والذاكرة الجمعية.
لا يقدّم الخمري لوحاته بوصفها مجرّد تكوينات تجريدية، بل كبوابات إلى عوالم من التأمل والهدوء والجمال الكامن في التفاصيل، فيجعل من العناصر البسيطة مفاتيح لفهم أعمق لمعاني الوجود، وذلك من خلال تداخل اللون والرمز والضوء في بناء بصري غني ومدروس.
ويمتلك الفنان عادل الخمري تجربة فنية طويلة بدأت من الواقعية، ومرّت بعدة محطات أسلوبية قبل أن تستقر في تجربته التجريدية الحالية. ويشكّل هذا التطور جزءًا أساسيًا في مسيرة أي فنان تشكيلي؛ فالنمو الإبداعي لا يتحقق إلا عبر خوض التجارب، والتجريب المستمر، وصقل المهارات، وإعادة النظر في الأساليب والرؤى. وتبرز أهمية هذا التطور في قدرة الفنان على ابتكار لغة بصرية خاصة به، تعكس وعيه الثقافي وتراكم خبراته وقراءاته للحياة.
وتُختتم هذه التجربة بالعودة إلى المدرسة التجريدية التي ينتمي إليها الخمري اليوم؛ وهي مدرسة لا تنقل الواقع كما هو، بل تتعامل معه كفكرة، وشعور، وإيقاع لوني حر. دورها الفني يكمن في تحرير العين من التمثيل المباشر، وفتح المجال أمام المتلقي ليشارك في إنتاج المعنى عبر التأمل والتفسير الشخصي. فالتجريد لا يقدّم الإجابات، بل يثير الأسئلة، ويمنح اللوحة بعدها الإنساني العميق.
وبذلك يشكّل معرض «منمنمات تجريدية» محطة فنية مهمّة في مسيرة الفنان عادل الخمري، ويقدّم إضافة جمالية تثري المشهد التشكيلي في المملكة، وتؤكد حضور الفن التجريدي كمساحة مفتوحة لابتكار رؤى جديدة تتجاوز حدود الشكل نحو الدهشة والمعنى.