عايض بن خالد المطيري
في أسواق الحراج التقليدية، حيث يُفترض أن يلتقي البائع والمشتري في مساحة عادلة تقوم على العرض والطلب. تغيّر المشهد كثيرًا. فداخل بعض المزادات العلنية في أسواق الخضار والتمور والماشية، لم يعد الصوت العالي للمحرّج مجرد وسيلة لإسماع المشترين، بل تحوّل أحيانًا إلى استعراض يبحث فيه بعض الدلالين عن الشهرة والترندات، ولو على حساب سمعة السوق والمصلحة العامة.
الحراج في أصله موروث تجاري عريق، له أدبياته وضوابطه التي تقوم على الأمانة والمصداقية والشفافية، ومبادئ الأدب والاحترام. لكنه في السنوات الأخيرة شهد تحوّلات سلبية؛ إذ تسللت إليه أساليب دخيلة لا تمت بصلة إلى روح المهنة. بعض المحرّجين جعلوا من المزاد ساحة للمبالغات الوهمية، برفع الأسعار بلا نية حقيقية للبيع، ويتلاعبون برقصات وحركات سخيفة وإشارات تُربك الحاضرين وتفقد المزاد هيبته.والنتيجة سلع تُباع بأضعاف قيمتها الحقيقية، وسوق يفقد ثقة المتعاملين. وكم شاهدنا من مقاطع مصوّرة تكشف اتفاقيات خفية بين دلالين ومزايدين لرفع الأسعار بشكل مصطنع؛ ففي حراج التمور صناديق تمر تُباع بأرقام فلكية، وفي حراج أسواق الماشية خراف وتيوس تُسعَّر بمبالغ غير معقولة. الهدف تضليل المشتري والبائع معًا بإيهامهم أن السوق غالٍ، بينما ما يحدث عمل وهمي و»نجش» محظور نظامًا ومحرّم شرعًا.
المسؤولية لا تقع على المحرّجين وحدهم، بل تشمل الجهة المنظمة التي تمنحهم التصاريح. فهل يكفي الترخيص وحده؟ أليس الأجدى إلزامهم بدورات متخصصة وتشريعات واضحة تجرّم المزايدات الوهمية وتعيد الثقة للمزادات؟
في أسواق عالمية كبرى، يخضع منظمو المزادات لقوانين صارمة تضمن النزاهة وتمنع التلاعب، بينما ما زلنا نشهد مزادات تُدار بعشوائية تجعلها أقرب إلى «التهريج» منها إلى «التحريج». والأسوأ أن المبالغات المصطنعة تثير شبهات حول استغلالها كغطاء لعمليات مشبوهة كغسيل الأموال.
زبدة الكلام
الحراج ليس مجرد سوق للبيع والشراء، بل مرآة لقيم النزاهة. وإذا تُرك الباب للتلاعب والتهريج، فسوف نخسر ثقة الناس ونسمح بأن تُستغل أسواقنا فيما لا يليق.