الرياض - خاص بـ(الجزيرة):
لا يوجد شخص لم يشكُ من «كابوس» مزعج داعبه أثناء نومه، ومعظم الناس قد عانوا من كوابيس في مرحلة من حياتهم. وتمثل الكوابيس عند الأطفال خطورة أكثر من الكبار حينما تكون أحلاماً مزعجة ومخيفة تسبب لهم القلق والخوف.
ولاشك أن حدوث الكوابيس وتكرارها عند الأطفال يؤكد وجود مشكلات داخلية قد تؤثر في الطفل ونفسيته، مما يحتم على الأسرة البحث عن الأسباب، والطرق الكفيلة التي تساعد على التخلص من الكوابيس.
«الجزيرة» طرحت القضية على عدد من المختصين في العلوم الشرعية والطبية والتربوية والاجتماعية؛ فماذا قالوا؟
ذاكرة الأطفال
بداية يؤكد الشيخ عايض بن محمد العصيمي مفسر الرؤى والأحلام أن الأطفال يرون رؤى وتعبر وتفسر لهم وفق واقعهم ومشاهداتهم وقد يكون منها الصادقة من الله تعالى ومنها الكاذبة التي هي من الشيطان، وقد يكون منها ما هو حديث نفس وهذا هو الأغلب ما دام أنهم ينامون ويستيقظون!
ونظراً لصدق الأطفال وطهارتهم ولزومهم للخير في طفولتهم في أقوالهم وأفعالهم فقد يكون ما يرون ويشاهدون في منامهم رؤى صادقة نافعة كما كان ليوسف - عليه السلام - عندما رأى أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رآهم له ساجدين، وقصها على أبيه يعقوب - عليه السلام -، حيث كان عمره سبع سنوات كما ذكر ذلك أهل التفسير في كتبهم.
وأغلب ما يشاهده الأطفال في نومهم أحاديث نفس عابرة ومشاهدات اعتادوا عليها في واقعهم فتكثر عليهم في مناماتهم وقد تكون أحلاماً مزعجة وكوابيس وتخيلات نظراً لواقعهم الذي يعيشونه من مشاكل أسرية ومشادات في مدراسهم والتنمر، أو لكثرة مشاهداتهم أفلام الرعب والإثارة أو لكثرة استخدامهم الأجهزة الإلكترونية والجلوس عليها لساعات طويلة من النهار والليل فيشحن عقله الباطن بها وعندما ينام يتم تفريغ ما شاهده في واقعه فتلازمه تلك الأحلام والكوابيس المخيفة مما اختزن في عقله الباطني من التوتر والقلق والمشاكل والضغوط، فيسترجع عقله ما مر من مخاوف أثناء النوم خاصة إذا تعرض لصدمة أو مشكلة، علماً أن ذاكرة الأطفال تحفظ وتخزن كل المعلومات والصدمات والمشاكل والمواقف التي قد لا يستطيع تجاوزها وتظل موجودة وإذا كبر استرجعها عقله الباطني له في واقعه ومنامه.
قدسية النوم
يبين عايض العصيمي العلاج في ذلك أن يتعود الطفل منذ نعومة أظفاره على قدسية النوم، وأن النوم أساسي لتنظيم الوقت والحياة وأن يتهيأ للنوم ويستعد له، ويتجنب السهر الطويل كما هو حاصل في أغلب البيوت في هذا العصر، وأن يقلل من استخدام تلك الأجهزة المشغلة والمشتتة لذهنه وتركيزه، والبعد عن أفلام الرعب والعنف والإثارة، وأن يتعلم الأطفال في البيوت على الهدي النبوي التربوي في آداب النوم وأذكار النوم والاستيقاظ منه والنوم على طهارة وذكر الله تعالى، عندها ستنتهي تلك الكوابيس أو تقل وتضمحل بإذن الله.
ضغوط نفسية
يشير الدكتور عزت عبدالعظيم استشاري الطب النفسي بالرياض إلى أن أي شخص يتعرض لكابوس أثناء النوم في أي وقت في حياته، ولأن الإنسان لابد أن يحلم أثناء النوم ولكن قد توجد أحلام مزعجة تسبب الخوف والفزع أثناء النوم وهي ما يطلق عليها أحلام سيئة أو كوابيس، والكوابيس غالباً ما تصاحب الشخص الذي يعاني من حالة اكتئاب أو قلق نفسي، ولذا فالطفل الذي تنتابه الكوابيس الليلية المتكررة غالباً ما يعاني من ضغوط نفسية أو لديه مشاكل أسرية أو مدرسية تجعله عرضة للكوابيس أثناء النوم، مما تجعله يستيقظ من نومه وهو في حالة خوف وبكاء من منظر الكابوس الذي تعرض له، ولكن عندما تطمئنه الأم وتهدئ من روعه وتمنحه السكينة فإنه يعود للنوم مرة أخرى دون مشاكل، وحينما يصبح وتسأله عما حدث له أو عما رآه في المنام فإنه يتذكر الكابوس جيداً ويصف ما حدث له أثناء الكابوس وما بعد الاستيقاظ أيضاً، هؤلاء الأطفال الذين يعانون من كوابيس ليلية متكررة يفضل لهم عدم مشاهدة أفلام العنف والدم والجريمة أو قراءة القصص المخيفة أو سماع الحكايات التي تثير الخوف لديهم وذلك في فترة ما قبل النوم، كما لا يفضل عقاب أو ضرب الطفل قبل النوم مباشرة بل الانتظار حتى صباح اليوم التالي.
ويوصي د. عزت عبدالعظيم استشاري الطب النفسي بالرياض بمحاولة حل مشاكل الطفل سواء في المنزل أو في المدرسة أو حتى في الشارع وإذا لم تتحسن حالة الطفل وتكررت الكوابيس يفضل عرض الطفل على الطبيب النفسي للعلاج.
تفسير الظاهرة
تقول الأستاذة شوقية بنت محمد الأنصاري الخبيرة التربوية: مَن منّا لم تفزعه القطة السوداء، أو ذاك الشبح في ظل الخفاء، عاشت في ذاكرة الطفولة، ونعود لها لنقرأ من منظور معرفي عن ماهية (كوابيس الأطفال)، ليكشف علم النفس عن نوافذ مهمة من خلالها نلحظ خيال الطفل، ونفسّر مخاوفه، وندرك تطورات نموّه الانفعالي على سلوكيات الأطفال المشتتين بضياع التركيز وقلة الانتباه، مشيرة إلى أن الكوابيس أحلام مقلقة مزعجة توقظ الطفل من نومه في حالة خوف، قد يلحقها التبول اللاإرادي، وترديد بعض الكلمات، مثل: الولد يجري خلفي، الجدار سقط عليّ، تكسّرت لعبتي، وقد تتحوّل لنوبات رعب وبكاء وهلع شديد، خاصة بعد دخول الطفل في النوم العميق، وكل هذه الدلالات النفسية تجعلنا نقف على تفسير الظاهرة من منظور نفسي وتربوي:
الكابوس قلق وتوتر داخلي لتجربة مزعجة مرّ بها الطفل، ولم يعبّر عنها، مما يشكل مرآة اللاوعي لديه، فسّرها (فرويد) بقوله: «الحلم يحمل رموزًا لرغبات أو مخاوف مكبوتة».
الكابوس ردة فعل لضغوط أسرية كقرار انفصال الوالدين، التي تظهر جلية في الطفولة المبكرة، لأنها ترتكز رحلة نمائها على الأمان والخوف من الفقد، أو لضغوط مجتمعية كتعرضه لعقاب قاسٍ، أو تحرش جسدي، أو الانتقال لمدرسة جديدة.
يرى (بياجيه) «إن الكابوس أحيانًا ليس مرضًا، بل علامة على تطور التفكير الرمزي لدى الطفل، حيث يبدأ بتصوير المعاني المجردة في صور بصرية»، ومن هنا تشكّل الكوابيس مرحلة انعكاس للخيال الخصب المتقد بالتأويل الذي يمتلكه الطفل، فيحوّل قصص المواقف اليومية إلى مشاهد مرعبة.
قراءة المسببات
تؤكد الخبيرة التربوية شوقية الأنصاري: أن قراءة مسببات ظاهرة (كوابيس الطفل) من الخوف والقلق، تعيننا على وضع الحلول الإنسانية والعلاجية التي تسهم في نماء مسيرة الانسان، وذلك من خلال:
- تعزيز لغة الحوار والاستماع للطفل دون توبيخ وسخرية من الكابوس، حتى لا تتحوّل لظاهرة كذب، وتستديم في سجيته حالة القلق والتوتر.
توظيف الرسم كعلاج، بتدريب الطفل على رسم كابوسه ووضع نهاية حاسمة له بطريقة مختلفة عما تحدث به، مما يمنح الطفل شعور الانتصار على الحيرة والقلق.
ملازمة الطفل عند نومه يعزز لغة الطمأنينة لديه، والتواصل الإيجابي معه، كملامسة شعره عند قراءة قصة قصيرة، أو قراءة سورة قرآنية بمعيّته، والدعاء بصوت هادئ له، كَونَ القراءة الملهمة تسهم في تحويل الخوف إلى فهم، والفهم إلى دعم تربوي ووجداني للطفل.