م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
في إبريل عام (2016م) تم إطلاق «رؤية السعودية 2030»، رافقها عدة لقاءات لصاحب الرؤية سمو ولي العهد شارحاً للرؤية ومستهدفاتها، قال خلالها جملة لم يتم التوقف عندها كثيراً على أساس أنها في خيالنا حلم لن نتجاوزه، وهي (أن الشرق الأوسط سيكون أوروبا الجديدة).. وكرر تلك الرؤية في كل اللقاءات التي تمت مع سموه في التسع سنوات التي تلتها.
واليوم نرى ذلك الحلم يقترب كثيراً ليكون حقيقة.. فهل يشهد القرن الحادي والعشرون نهوض العرب كما شهده الأوروبيون في القرن الخامس عشر الميلادي.. فما الذي حصل للأوربيين في ذلك القرن؟
القرن الخامس عشر الميلادي كان القرن المؤسس للنهوض الأوروبي وخروجهم من الظلمات إلى النور.. ففي منتصف ذلك القرن (1450م) اخترع الألماني (جوتينبرج) المطبعة التي مهدت لانتشار الأفكار المقاومة للظلام الأوروبي الذي عاشوه لأكثر من ألف عام.. وفي ذات الفترة حدثت الصدمة الكبرى عام (1453م) حينما سقطت القسطنطينية - معقل المسيحية في ذلك الزمان - في يد القوة الإسلامية الصاعدة للدولة العثمانية.. تلك الصدمة أيقظت الأوروبيين على حقيقة أنهم الآن أصبحوا محاصرين بين فكين إسلاميين؛ العثمانيين في الشرق والأندلس في الغرب.
وفي عام (1488م) اكتشف الأوروبيون (رأس الرجاء الصالح)، وهذا مكَّنهم من الاتصال بدول جنوب شرق آسيا مباشرة عن طريق البحر، وبالذات جوهرة التاج البريطاني (الهند).. فعبر القرون كان الوصول للهند والصين يستلزم عبور الصحاري والقفار، وقطع الجبال وخوض المعارك مع مجتمعاتها، وتحمُّل طقسها الحار جداً صيفاً البارد جداً شتاءً، وكان ذلك أمراً شاقاً طويلاً أنهكهم منذ غزوات الإسكندر المقدوني لوسط آسيا ثلاثمائة وخمسين سنة قبل الميلاد.. اكتشاف (رأس الرجاء الصالح) سَهَّل جداً غزو بلاد جنوب شرق آسيا وسلب ثرواتها واستعباد مجتمعاتها، مما ضاعف من ثروات الأوروبيين وأهَّلهم للإنفاق على مشاريعهم التوسعية ورفع قدراتهم البحرية، وتمويل اكتشافاتهم الجغرافية حتى اكتشفوا أمريكا عام (1492م).
اكتشاف أمريكا في أواخر القرن الخامس عشر منح الأوروبيين ثروات مهولة من الذهب والفضة والمعادن الأخرى التي يفتقدها الأوروبيون على أرضهم محدودة الثروات الطبيعية.. تلك الثروات الهائلة سَهَّلت الإنفاق على مشاريع الصناعة والنقل، وبالذات اكتشاف الطاقة البخارية التي مكنت من صناعة القطارات البخارية، التي ربطت أوروبا ببعضها وربطت مستعمراتها ومصادر ثرواتها ببعضها.. وسهَّلت وسرَّعت نقل كل الثروات والخيرات من تلك المستعمرات إلى أوروبا، وبالتالي مكنتهم من تمويل جهود الاختراعات والابتكارات وإقامة المصانع، مما أسهم في قيام الثورة الصناعية التي اكتملت أهدافها ومشاريعها في منتصف القرن الثامن عشر.
القرن الخامس عشر كان موعد الشرارة التي فجَّرت طاقات المجتمعات الأوروبية ومكنتها أن تصل إلى ما وصلت إليه اليوم.. ونقلتها من مجتمع زراعي ريفي إقطاعي مكون من طبقة النبلاء وهم مُلاَّك الأراضي والطبقة الكادحة التي تعمل في تلك الأراضي مقابل أن تعيش، إلى مجتمع إنتاج، انعتق أولاً من عبودية الإقطاع، ثم توافرت له فردانية القرار، وحرية الإرادة، واستقلال الرأي، والمبادرة في التحديث.. وهذا أحدث بدوره القفزات النوعية في التطور والتقدم، وكثافة الإنتاج، وكفاءة الأداء.. مما مَكَّن المجتمعات الأوروبية من التحول والانفكاك من كهنوت الكنيسة وهرطقات الكهان، وسيادة الأعراف، وجمود التفكير، وكل هذا أنتج قيم حقوق الإنسان، والحريات الشخصية، والمساواة.
القرن الخامس عشر الميلادي كان موعد انطلاقة النهضة الأوروبية، فهل يكون القرن الحادي والعشرون موعد انطلاقة نهضة العرب؟