د.زيد محمد الرماني
هناك طريقتان للنظر إلى التنمية في العالم المعاصر، إحداهما: التنمية من أجل الوفرة، وهي المتأثرة باقتصاديات النمو وبالقيم التي تقوم عليها، والتي تعتبر أن التنمية هي -أساسًا- الزيادة السريعة والمتواصلة في الناتج الوطني الإجمالي بالنسبة للفرد، وفي هذه النظرة لا تحتل القيم والثقافة مكانًا أساسيًا.
والطريقة الثانية: التنمية من أجل الحرية، وهي تنظر إلى التنمية كعملية تدعم حرية القائمين بها في السعي إلى تحقيق الأهداف التي يعتقدون أن لها قيمتها، وفي هذه النظرة يترك تحديد أهمية الوفرة الاقتصادية لقيم لأشخاص المشتركين فيها، وهي القيم التي تحددها ثقافتهم.
يقول بعض الاقتصاديين: إن قيمتك الحقيقية هي قيمة ما تملك من مال، وبناء على هذا أصبح الاستهلاك مثل طاحونة دوارة، حيث يقدر الناس حالتهم الاجتماعية بمدى غنى أو فقر كل واحد منهم.
لقد أصبح شراء الأشياء برهانًا على الاحترام الذاتي ووسيلة للقبول الاجتماعي أي علاقة مميزة لما أسماه الاقتصادي تورشتاين فبلن بـ«اللياقة المالية»، إن الاستهلاك أصبح في ذاته قيمة اجتماعية كبرى، ويقاس مركز الفرد الاجتماعي بقدر ما يستهلكه من السلع والخدمات ومدى قدرته على التغيير المستمر.
وإذا كان الاستهلاك قد أصبح يحدد في العصر الحديث -إلى حد ما- مكانة العائلة الاجتماعية، فإن ذلك لم يكن كذلك دائمًا، ففي القديم لم يكن المركز الاجتماعي للفرد يتحدد بمقدار ما يستهلكه ولم ينظر إلى أثر الاستهلاك كقيمة اجتماعية في النظرية الاقتصادية الحديثة إلا عندما كتب دوزنبري عن أثر التقليد، حين بين أن استهلاك الفرد لا يتوقف على ذوقه وما يريده هو بقدر ما يتأثر بما يستهلكه الآخرون.
ووفقًا لنظرية «التنمية من أجل الحرية» يمكن القول -حسب ما يراه الاقتصادي الهندي أمارتيا سن- بأن زيادة القدرة البشرية هي السمة المحورية للتنمية، وتشير القدرة إلى مجموعة من التصرفات البديلة التي يمكن للشخص أن يختار بينها، وعلى ذلك فإن فكرة القدرة تقوم أساسًا على الحرية.
والفقر في وجهة النظر هذه ليس مجرد فقر الدولة التي يعيش فيها الإنسان، بل يتمثل أيضًا في عدم توافر الفرصة الحقيقية لاختيار أنماط أخرى من الحياة.
في حالة السعي إلى الوفرة فإن التركيز يكون بشكل قاطع على زيادة الدخل ويكون دور الثقافة دور الأداة فحسب التي تساعد بشكل خاص على تعزيز النمو الاقتصادي السريع.
وهنا يثور السؤال عما إذا كان ينبغي الاهتمام بالنمو الاقتصادي في حد ذاته، وهذا يؤدي إلى الاهتمام بالأشياء التي تعزز النمو في الجوانب الأخرى، أم أن النمو الاقتصادي هو ذاته أداة ولا يمكن الادعاء بأن له دورًا أساسيًا يماثل دور الجوانب الثقافية للحياة.
ونظرًا لأن تعبير الاستدامة أصبح معتادًا في أدب التنمية فليس من الغريب ظهور عبارة «التنمية المستدامة ثقافيًا» فهل هذا هو الاتجاه الصحيح الذي ينبغي اتخاذه عند الابتعاد عن النظر إلى الثقافة على أنها مجرد أداة للتنمية؟