ليست اللغة العربية مجرد وسيلة للتخاطب، بل كائن حي يتنفس من صدور العارفين ويشيخ حين نهمله، ويزهر كلما أحببناه، وفي اليوم العالمي للغة العربية لا نقف أمامها وقفة احتفال عابر بل نقف وقفة اعتراف ووفاء وتأمل في لغة حملت الذاكرة وصانت الهوية ونسجت من الحرف حضارة امتد ظلها قرونا.
العربية ليست لغة الأمس فقط بل لغة الزمن كله ولدت في الصحراء صافية كالماء الأول ثم مشت على ألسنة الشعراء فصارت نغما ودخلت محراب القرآن فغدت قداسة ورافقت العلماء فغدت علما، وسكنت القلوب فصارت انتماء هي لغة إذا غضبت قصفت وإذا أحبت همست وإذا وصفت أبهرت وإذا صمتت قالت الكثير.
في هذا اليوم نتذكر أن العربية لغة لم تركع رغم تعاقب العصور ولم تذب رغم رياح التغريب لأنها لم تكن يوما مجرد ألفاظ بل روح أمة فيها من السعة ما يحتضن الفلسفة والطب ومن الرقة ما يكتب الحب ومن الصلابة ما يصوغ القيم ومن المرونة ما يجعلها قادرة على مرافقة العصر دون أن تفقد جوهرها.
ما أعجب العربية حرف واحد فيها قد يفتح بابا من المعاني وكلمة واحدة قد تحمل تاريخا كاملا من الشعور، فيها السلام ليس مجرد تحية بل وعد بالأمان، وفيها العدل ليس لفظا بل ميزان حياة وفيها الحرية ليست كلمة بل مسؤولية كأنها خلقت لتعلم الإنسان كيف يفكر قبل أن يتكلم وكيف يشعر قبل أن يكتب.
غير أن الاحتفال الحقيقي بالعربية لا يكون بالخطب وحدها بل بالفعل أن نقرأ بها بوعي وأن نكتب بها بصدق وأن نعلمها بحب وأن نطورها بعقل منفتح لا يخاف الجديد ولا يفرط في الأصيل فاللغة التي لا تستعمل تموت والتي لا تحب تنسى والتي لا تجدد تتقادم.
في اليوم العالمي للغة العربية نرفع القبعة لحروف علمت العالم كيف يكتب الجمال ونهمس لأبنائنا هذه لغتكم لا تخجلوا بها فهي التي رفعت أسماءكم حين رفع غيركم السيوف وهي التي جعلت من الصوت معنى ومن المعنى رسالة.
سلام على العربية يوم ولدت، ويوم ازدهرت ويوم تتجدد في أفواه العاشقين لها، وسلام على من حفظها في قلبه قبل أن يكتبها بيده.
** **
- نوف بنت نايف الحارثي