هادي بن شرجاب المحامض
هذا قرار يصنع فارقًا حقيقيًا في مسار الصناعة الوطنية ويعكس بوضوح عمق الرؤية الاقتصادية التي تقودها المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظهما الله- فالموافقة على إلغاء المقابل المالي المقرر على العمالة الوافدة في المنشآت الصناعية المرخصة بترخيص صناعي ليست خطوة إجرائية عابرة، بل امتداد طبيعي لنهج دعم وتمكين الصناعة بوصفها إحدى الركائز الأساسية لتنويع الاقتصاد الوطني وتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 .
هذا القرار يرسخ قناعة راسخة لدى القيادة بأن الصناعة ليست خيارًا اقتصاديًا ثانويًا، بل أداة إستراتيجية لبناء اقتصاد متوازن ومستدام، وقد أثبتت السنوات الماضية أن هذا الرهان كان في محله، حيث أسهم تحمُّل الدولة للمقابل المالي خلال فترتي الإعفاء الأولى والثانية منذ أكتوبر 2019 وحتى نهاية 2025 في إحداث تحول نوعي في القطاع الصناعي، وهو ما تؤكّده الأرقام التي لا تقبل التأويل ولا تحتاج إلى تزيين لغوي، فقد ارتفع عدد المنشآت الصناعية من 8,822 مصنعًا إلى أكثر من 12 ألف مصنع، وقفزت الاستثمارات الصناعية بنسبة 35 % لتتجاوز 1.22 تريليون ريال، ونمت الصادرات غير النفطية إلى 217 مليار ريال، كما ارتفعت الوظائف الصناعية إلى 847 ألف وظيفة، وزاد الناتج المحلي الصناعي بأكثر من 56 % ليصل إلى ما يفوق 501 مليار ريال.
إلغاء المقابل المالي اليوم يأتي ليبني على هذا النجاح ويمنحه زخمًا إضافيًا، فهو يخفض التكاليف التشغيلية على المصانع، ويمكِّنها من التوسع وزيادة الإنتاج، ويمنح المستثمر الصناعي مساحة أوسع لإعادة توجيه موارده نحو التطوير والتحديث بدل استنزافها في أعباء تشغيلية، وهو ما ينعكس مباشرة على قدرة المصانع السعودية على المنافسة في الأسواق الإقليمية والعالمية، ويعزِّز حضور الصادرات الوطنية في سلاسل الإمداد الدولية.
الأهم من ذلك أن القرار يفتح الباب واسعًا أمام التحول الصناعي الذكي، حيث يشجع المنشآت الصناعية على تبني حلول الأتمتة والذكاء الاصطناعي وتقنيات التصنيع المتقدم، وهي عناصر لم تعد ترفًا تقنيًا، بل شرطًا أساسيًا للبقاء والمنافسة، فالصناعة الحديثة تقوم على الكفاءة والسرعة والجودة، وهذا ما تعمل عليه منظومة الصناعة والثروة المعدنية من خلال حوافز واضحة وممكنات عملية وبيئة استثمارية جاذبة.
وفي هذا السياق يتأكد دور الدولة كشريك تنموي حقيقي للقطاع الصناعي، لا كجهة تنظيمية فقط، فالتكامل بين السياسات الحكومية وتمكين القطاع الخاص هو ما يصنع الفارق، وهو ما ينعكس في الأهداف الطموحة التي وضعتها المملكة للمرحلة المقبلة، من خلال توفير 800 فرصة استثمارية صناعية بقيمة تريليون ريال، والعمل على مضاعفة الناتج المحلي الصناعي ثلاث مرات ليصل إلى 895 مليار ريال بحلول عام 2035، بما يعظم إسهام الصناعة في الناتج المحلي ويعزِّز مكانة المملكة كقوة صناعية رائدة على المستوى العالمي.
إن هذا القرار لا يختصر الطريق أمام الصناعة فحسب، بل يعيد تعريف العلاقة بين الدولة والمصنع والمستثمر، ويبعث برسالة واضحة مفادها أن من يراهن على الصناعة في المملكة يجد دعمًا حقيقيًا ورؤية ثابتة واستقرارًا تشريعيًا، وهي عناصر تصنع الثقة وتجذب الاستثمار وتبني اقتصادًا لا يعتمد على مورد واحد، بل على إنتاج متنوِّع وقيمة مضافة مستدامة، وهكذا تُدار التنمية حين تقترن الرؤية بالقرار، ويُقاس الأثر بالأرقام، ويكون المستقبل امتدادًا طبيعيًا لعمل مدروس لا لوعود مؤجلة.