مهدي آل عثمان
في كل زمن، تتبدل الظروف وتتغير الأحوال، ويبقى الإنسان في رحلة بحثٍ دائمة عن الطمأنينة والاستقرار، وبين متطلبات الحياة اليومية ومسؤولياتها، يزداد القلق لدى بعضهم بشأن المستقبل، وكيف يمكن أن يحققوا لأنفسهم وأبنائهم حياة كريمة تتوافق مع ما يحلمون به ويطمحون إليه، وهذه الهواجس ليست استثناءً ولا أمراً طارئاً على المجتمعات، بل هي جزء متأصل من طبيعة البشر ومن سعيهم المستمر نحو حياة أفضل.
ومع أن العالم اليوم يشهد إيقاعاً سريعاً ومتغيراً، إلا أن المواطن السعودي يجد نفسه في بيئة مختلفة، محاطة بحرص الدولة واهتمامها وتخطيطها الدقيق لصناعة مستقبل أكثر ازدهاراً واستقراراً، فالمملكة، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- تنتهج مساراً تنموياً فريداً يقوم على تعزيز جودة الحياة وتحقيق الرفاهية للمواطن باعتباره محور التنمية وغاية الرؤية الوطنية.
إن القلق الذي يشعر به بعضهم حول الوظائف أو مستوى الدخل أو المسكن وحتى الصحة، ومستقبل الأبناء، هو قلق طبيعي، لكنه يجب أن يُقرأ في سياق ما تشهده المملكة اليوم من تحولات كبرى لم يسبق لها مثيل.
ففي ظل رؤية المملكة 2030، أصبحت جودة الحياة بنداً أساسياً ضمن الخطط الحكومية، وليست حلماً بعيداً أو مطلباً مؤجلاً، فالمشاريع العملاقة التي انطلقت في مختلف المناطق، من تطوير بنية تحتية حديثة، وتحسين شامل للطرق، وتوسيع الخدمات الصحية، ودعم التعليم، وتمكين الشباب، كلها تؤكد أن الدولة ماضية بثبات نحو توفير حياة متكاملة تحفظ للمواطن كرامته وتلبي احتياجاته.
لقد رسخت القيادة الرشيدة مبدأً واضحاً في العمل التنموي، مفاده أن الإنسان أولاً، وأن بناء المستقبل يبدأ من رعاية المواطن وتمكينه، وليس مجرد إنشاء مشاريع أو توسعة مدن. وهذا ما أكده سمو ولي العهد -حفظه الله- في كلماته الملهمة ورؤيته الطموحة حين قال: «طموحنا عنان السماء»، وهي عبارة تختصر فلسفة العمل الوطني في هذه المرحلة، وتعكس حجم الثقة والطموح الذي تقوده المملكة نحو مستقبل متقدم ومتطور.
ولم يعد الاهتمام بالمواطن يقتصر على توفير الخدمات الأساسية فحسب، بل تعدّى ذلك إلى الاستثمار في رفاهيته، ورفع مستوى جودة حياته، وتعزيز استقراره النفسي والاجتماعي، فعلى سبيل المثال، يشهد قطاع التعليم اليوم تحديثاً شاملاً في المناهج والمهارات وأساليب التعلم، بهدف إعداد جيل قادر على المنافسة وتحقيق ذاته في سوق العمل العالمي، كما يشهد القطاع الصحي توسعاً كبيراً في الخدمات المتقدمة، وتطويراً للمستشفيات والمراكز الطبية والكادر الطبي، وتحسيناً في الوصول إلى الرعاية الصحية بكفاءة وجودة أعلى.
أما قطاع الإسكان، فقد أصبح واحداً من أكثر القطاعات التي أولتها الدولة عناية خاصة، من خلال برامج داعمة، ومشاريع سكنية حديثة، وخيارات متنوعة لتلبية احتياجات الأسر السعودية، وهذه الجهود انعكست على استقرار آلاف الأسر، ومكّنتها من تحقيق حلم السكن الملائم بسهولة ويسر.
ولأن جودة الحياة لا تكتمل دون بيئة حضرية صحية تُلبّي احتياجات الإنسان اليومية، فقد برز دور الأمانات والبلديات في تحقيق أنسنة المدن كأحد المسارات المهمة في رؤية المملكة، فقد شهدت المدن السعودية تطويراً واسعاً للمساحات الخضراء والحدائق العامة والمسارات الرياضية، وتحسيناً شاملاً للمشهد الحضري، ومعالجة التشوه البصري، وتسهيل حركة المشاة، والارتقاء بالخدمات البلدية، وأصبحت المدن أكثر حيوية وملاءمة لحياة الإنسان، وأكثر ارتباطاً بهوية مجتمعية وثقافية تعزز الانتماء والراحة النفسية. كما أسهمت مشاريع الأمانات في خلق بيئات آمنة وصحية تُشجع على الأنشطة الترفيهية والرياضية وتدعم جودة الحياة للأسَر والشباب على حد سواء.
وفي جانب آخر، تعمل الدولة على التوسع في فرص التوظيف النوعية للشباب، وتمكين المرأة، ودعم ريادة الأعمال، وتحفيز القطاعات الواعدة التي تخلق وظائف ذات عوائد مجزية ومستقبل مهني مستقر. ولم يعد سوق العمل تقليدياً أو محدوداً، بل أصبح متنوعاً ومرناً ومرتبطاً بقطاعات اقتصادية جديدة مثل التقنية، السياحة، اللوجستيات، والصناعات الحديثة.
كل هذه التحولات تؤكد أن المملكة لا تعتمد على الوعود، بل على العمل الملموس والمشاريع التي تراها الأعين قبل أن تسمع عنها الآذان. وهذا ما يجعل المواطن اليوم أكثر ثقة واطمئناناً بأن المستقبل سيكون أفضل، وأن أبناءه سيعيشون في وطنٍ يضعهم في مقدمة أولوياته.
لذلك، فإن من يشعر بالقلق تجاه المستقبل عليه أن يتأمل المشهد التنموي الواسع الذي تعيشه المملكة، وأن يدرك أن الوطن يمضي قدماً نحو مرحلة جديدة، وأنه في أيدٍ أمينة تعمل بكل صدق واجتهاد لبناء دولة مزدهرة حديثة، تحفظ حقوق مواطنيها وتوفر لهم الحياة التي يستحقونها.
إن المملكة اليوم ليست مجرد دولة تبني طرقاً أو منشآت، بل هي دولة تبني الإنسان، وتؤسس لأجيال قادمة، وتمنح كل فرد فرصة للعيش الكريم والعمل المنتج والسعادة المستدامة. وبذلك تتحول المخاوف الطبيعية إلى ثقة، ويتبدل القلق باليقين، ويتحول تساؤل المستقبل إلى طمأنينة راسخة بأن الوطن يمضي إلى الأمام بخطوات ثابتة، وبقيادة حكيمة تعرف أين تسير وإلى أين تريد أن تصل.
وفي النهاية يبقى القول: اطمئنوا... فنحن في أيدٍ أمينة، ووطنكم يسير بكم نحو مستقبل أعظم وأجمل بإذن الله.