سارة الشهري
وسِعتُ كتابَ اللهِ لفظًا وغايةً
وما ضِقتُ عن آيٍ به وعِظاتِ
فكيف أضيقُ اليومَ عن وصفِ آلةٍ
وتنسيقِ أسماءٍ لمُخترَعاتِ
بهذين البيتين الخالدين لحافظ إبراهيم، تدافع اللغة العربية عن نفسها أمام من يشكك في قدرتها على مواكبة العصر. فهي لغة احتوت أعظم نص عرفته البشرية، واتسعت لمعانيه وبلاغته، فكيف يظن بها العجز عن استيعاب مفردات التكنولوجيا ومصطلحات العصر الحديث؟
لقد دخل العالم مرحلة رقمية متسارعة، أصبحت فيها التقنية لغة العصر المشتركة، وأضحى الفضاء الرقمي المجال الأوسع للتعلّم والتواصل وصناعة التأثير. وفي خضم هذا التحول، يبرز دور اللغة العربية بوصفها ركيزة للهوية ووسيلة لنقل المعرفة، لا سيما إذا أُحسن توظيفها وتحديثها بما ينسجم مع متطلبات العصر.
وقد شهد المحتوى العربي على الإنترنت تطوراً لافتاً، تمثَّل في انتشار المنصات التعليمية العربية، والموسوعات الرقمية، ومواقع البرمجة والتقنية التي تشرح المفاهيم الحديثة بلغة واضحة وسليمة. كما أسهم صنَّاع المحتوى في تبسيط العلوم، والذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، وريادة الأعمال، بلغة عربية جذابة، جعلت المعرفة أقرب إلى المتلقي العربي.
وفي مجال الذكاء الاصطناعي، لم تعد العربية لغة هامشية، إذ بدأت تحظى باهتمام متزايد في أنظمة الترجمة الآلية، وتحليل النصوص، والتعرّف الصوتي، وبناء النماذج اللغوية. وقد أتاح ذلك تطوير أدوات ذكية تفهم العربية، وتطبيقات قادرة على تلخيص أو تصنيف المحتوى، والإجابة عن الأسئلة بلغتنا الأم، ما يعزِّز حضور العربية في مستقبل التقنية.
وفي هذا السياق، تأتي مبادرة (علام) كنموذج عربي متقدم في مجال الذكاء الاصطناعي، تم تطويره في المملكة العربية السعودية كجزء من جهود الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) وبدعم لرؤية السعودية 2030 ولتعزيز الصناعة الرقمية والابتكار التقني في العالم العربي. والهدف تمكين اللغة العربية من الحضور الفعَّال في التقنيات الذكية. فالنموذج قادر على فهم وتوليد النصوص العربية بدقة، سواء كانت فصحى أو عامية، ويسهل تطوير تطبيقات ذكية تتعامل مع اللغة العربية، مثل التلخيص الآلي، الترجمة، التحليل اللغوي، والتفاعل الصوتي والنصي. إن (علام) مثال حي على كيفية دمج اللغة العربية في صميم التقنيات الحديثة، ليصبح حضورها الرقمي أقوى وأكثر تأثيراً على المستوى العالمي.
إن دعم اللغة العربية رقمياً لا يقتصر على التطوير التقني فحسب، بل يشمل الإثراء المستمر للمحتوى العربي الجيد. فكل مقال علمي يكتب بالعربية، وكل مصطلح يصاغ بدقة، وكل مشروع رقمي يضع العربية في صميمه، يسهم في بناء قاعدة لغوية قوية تغذي أنظمة الذكاء الاصطناعي، وتضمن تمثيل لغتنا تمثيلاً لائقاً.
وفي الختام، تثبت اللغة العربية أنها لغة قادرة على الجمع بين الأصالة والمعاصرة. فإن كانت قد وسعت كتاب الله لفظاً وغاية، فهي اليوم أقدر على أن تسع لغة الآلة، ومنطق البرمجة، ومفاهيم الذكاء الاصطناعي. ويبقى الرهان الحقيقي علينا نحن، في أن نمنح لغتنا الثقة، ونحسن استخدامها، لتظل حيَّة نابضة في العالم الرقمي، كما كانت وستبقى عبر العصور.