هادي بن شرجاب المحامض
وفاة عبدالله بن مرداع آل عاطف القحطاني المعروف باسم أبو مرداع كشفت صورة واضحة عن نوع التأثير الذي يبحث عنه المجتمع. رجل عاش بلا ألقاب كبيرة ولا شهادات عليا ولا مناصب ولا ينتسب لأسرة من الطبقة المخملية التي يظهر علينا بعض أولادها بمحتوى بلا طعم أو رائحة لكسب حب الناس. ومع ذلك رأينا الناس أنفسهم يتفاعلون معه بعد رحيله بطريقة واسعة وصادقة. هذا يعكس أن الشعبية اليوم تعتمد على الصدق والبساطة واحترام الناس.
أبو مرداع قدَّم محتوى مباشراً. تجنب كل نقاش يخلق عداء أو يتجاوز عادات وتقاليد المجتمع السعودي والخليجي بشكل عام. لم يدخل في مستنقع عنصرية مناطقية ولا قبلية ولا مذهبية التي كانت تنطلي على المجتمع من بعض الأفراد لصنع تواجد ومكانه مبنية على الكذب والخداع. لم يتورط في مواضيع مخالفة لأنظمة الدولة أو مخالفة للذوق العام أو إثارة الجدل. محتوى على شكل لحظات عفوية قريبة من المتابع. هذا النوع من الحضور جعل الناس تشعر أن المحتوى جزء من يومهم وليس محاولة لافتعال الجدل.
بعد وفاته ظهرت مبادرات إنسانية واسعة من محبيه. أسر وأفراد ساهموا في جمع تبرعات لبناء مسجد صدقة جارية عنه. هذه المشاركة جاءت من أشخاص لم يعرفوه شخصياً. كل مساهمة كانت تعبير عن احترامهم لسلوكه قبل شهرته.
والأكثر تأثيراً كان تفاعل صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن عبدالرحمن بن عبدالعزيز آل سعود. قدَّم سموه تبرعاً مقداره مليون ريال لبناء مسجد صدقة عن الراحل. هذا التفاعل يعكس قرب سموه و الأسرة المالكة من الناس. القرب هنا ليس شعارات. هو فعل مباشر. تجسيد لاهتمام هذه الأسرة المباركة بكل مبادرة تحمل قيمة إنسانية لأحد أبناء الوطن.
وتظهر تفاعل أحد أبرز الشخصيات الخيرية من الأسرة المالكة بهذا الحجم فهذا يعزِّز الثقة بأن العلاقة بين الناس وقيادتهم ما زالت قريبة وواضحة جداً.
قد نتساءل: لماذا وصل شخص بسيط لكل هذا التقدير داخل المجتمع السعودي وخارجه؟
ما الذي يجعل مبادرة فردية تتحول إلى مشروع خيري كبير الجميع تفاعل معها بشكل لافت؟
كيف أثبتت هذه الحادثة أن التأثير لا يحتاج إلى لقب لامع ولا شهادات علمية مع كامل الاحترام لأسرته وقبيلته العريقة؟
الإجابة بكل بساطة المجتمع يحترم الشخص الذي يحترمه. يحترم من يبتعد عن الخصومات والمسائل الجدلية. يحترم من يقدم محتوى نظيفاً بلا انحلال أخلاقي أو لفظي.
أبو مرداع غادر، لكن أثره باق، والمسجد الذي سيحمل اسمه سيبقى شاهداً على محبة الناس له. وسيبقى دليلاً على أن الاحترام يصنع حضوراً أقوى من أي منصب.