الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
تؤكد الدراسات والأبحاث العلمية أن للأصدقاء ورفقاء السوء دوراً كبيراً في تعاطي الشباب والفتيات المخدرات، وانتشار التعاطي يؤدي إلى تفشي الأمراض الاجتماعية في المجتمعات.
ولاشك أن عواقب تعاطي المخدرات لها آثار خطيرة على الفرد والمجتمع، إذ تُسبب أضرارًا جسدية ونفسية دائمة للمتعاطين، وتؤثر سلبًا في عائلاتهم وزملائهم بالعمل والعديد من الأشخاص الذين يتعاملون معهم، وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة في كافة قطاعاتها لمحاربة المخدرات ومروجيها، ما زالت تمثل أهم التحديات التي تواجه المجتمع، بعد أن أصبح الإدمان يسبب مشكلات أمنية وصحية واجتماعية.
«الجزيرة» رصدت رؤى عدد من العلماء والمختصين ليتحدثوا حول مخاطر تنامي ظاهرة المخدرات، وآثارها، وكيفية حماية المجتمع من تلك السموم الفتاكة.
الإجماع على التحريم
بداية يوضح معالي الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد إمام وخطيب المسجد الحرام، أن المخدرات مما يهدم أركان مقاصد الإسلام، ويزلزل بنيانها، ويهد كيانها، وذلك يشمل جميع أنواع المخدرات والمسكرات من مشروب، ومأكول، ومستنشق، ومحقون، وسواء أكان سائلاً، أم جامداً، أم أقراصاً، أم مسحوقاً، أم غازياً، أخرج الدارقطني عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: إن الله لم يحرم الخمر لاسمها، وإنما حرمها لعاقبتها، فكل شراب يكون عاقبته كعاقبة الخمر فهو حرام كتحريم الخمر.
وبيَّن أن كل ما غطى العقل وستره فهو خمر، وكل ما أسكر فهو خمر، وكل خمر حرام، فكل أنواع المخدرات داخلة في اسم الخمر ومسماه، وفي صحيح مسلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «كل مسكر خمر، وكل خمر حرام»، وفي الحديث المتفق عليه: «كل شراب أسكر فهو حرام».
وقال: من أجل هذا فقد أجمع فقهاء الإسلام على تحريم المخدرات وزراعتها، وتصنيعها، وتعاطيها، ناهيكم عن تهريبها وترويجها، بل قال ابن عابد -رحمه الله- في حاشيته: من قال بحل الحشيشة فهو زنديق مبتدع، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- : «.. وهي - أي الحشيشة - أخبث من الخمر من جهة أنها مفسدة للعقل والمزاج».
وأضاف إمام وخطيب المسجد الحرام: عالم المخدرات عالم مظلم، الداخل فيه مفقود، والخارج منه مولود، المخدرات جماع الشر، ومجمع الضر، ومستودع المفاسد، وملتقى المصائب، ومكمن الشرر، والمخدرات كل بلاء يصغر دونَها، هي آفة العصر، ومصيبة الدهر، وقاصمة الظهر، تذهب بالعقول، وتهلك النفوس، وأصل كل بلية، وأساس كل رذيلة، ومفتاح كل شر، ورجس من عمل الشيطان، توقع في العداوة والبغضاء، وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وعن كل عمل صالح في الدين والدنيا.
وأردف: كم في البيوت من أخبار حزينة، وكم في الصدور من أسرار دفينة: ها هو شاب في مقتبل العمر مطيع لربه، بار بوالديه، مستقيم في أخلاقه، متفوق في دراسته، يعيش حياة جميلةً، مليئةً بالتفاؤل والتخطيط، وبين عشية وضحاها وقع في شباك رفاق السوء، وأصدقاء الإثم، ذئابٌ كاسرة، خادعون واهمون، فكانت بدايةَ النهاية، تحولت الحياة الجميلة إلى أشباح، وانطفأ ضوء المصباح، وأصبحت الطاعة فسوقاً، والبر عقوقاً، والأخلاق تمرداً ونفوراً، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وتلك فتاة مسكينة، قرة عين والديها، وأمل أهلها وذويها، من أجمل البنات خَلْقاً وخُلُقاً، اقترب منها الحاسدات، وأحاطت بها الغاويات المغويات فوقعت المسكينة في الشِّراك، وأصبحت ألعوبة في يد كل خادع وأفاك، لا يدري وليها المسكين: «أيمسكها على هون أم يدسها في التراب».
ويؤكد د. صالح بن حميد أن المبتلى بهذه القاذورات، لا يملك تفكيرا سوياً، ولا قدرة على حسن الاختيار، ألعوبة بيد تجار الموت، الذين يجنون الأموال الملوثة والملونة بدماء الضحايا هذا المبتلى يخسر نفسه ودراسته، ووظيفته، وماله، وسمعته، وصحته، وأهله، يعيش حياة الانعزال، والإهمال، والكسل، والقلق، والاضطراب، حياته خمول، وعدوانية، واكتئاب، وخوف، وهلع، محطم الإرادة، أضرار بدنية، ونفسية، واجتماعية، واقتصادية، وبيئية، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
المبتلى مريض
وواصل الشيخ الدكتور بن حميد يقول: ومع هذا كله فإن المبتلى مريض يجب علاجه، وليس مجرماً يلزم عقابه، موضحاً أن من أهم وسائل العلاج التمسك بالدين والقيم الأخلاقية، والاستقامة على أمر الله، والالتزام بشرعه، وأداء ما افترض الله، والبعد عما حرم الله، وإذا ضعف وازع الدين سهل تقبل الأفكار المنحرفة، والقيم الفاسدة، مشددا على أن الأسرة في حسن تربيتها لأطفالها هي الحصن من الآفات الاجتماعية التي سوف يواجهها أطفالهم في حياتهم خارج المنزل، وهي التي تدفع الخطر الذي يهدد حياة أطفالهم، وأنه ينبغي على ولي أمر الأسرة أن يكون يقظاً، متابعاً، مدركاً لمسؤوليته، مبادراً في متابعة أولاده، يقضي مع أولاده الوقت الكافي لرعايتهم، والاستماع إليهم، والعيش معهم، والاهتمامِ بهم، وتبادلِ الحوار معهم، ومواجهةِ مشكلاتهم وكل ما يشغل تفكيرهم، وكذلك ينبغي تنمية الحب والاحترام بينهم، والابتعاد عن العنف والإيذاء الجسدي والنفسي ما أمكن، كما ينبغي تجنب العنف والشدة والسهر خارج المنزل، ويجب ملاحظة أصدقائهم وجلسائهم وقرنائهم، والحذر من قرناء السوء فجليس السوء هو بيت الداء، كما ينبغي مساعدة الأسرة، والوقوف معها في تهيئة الظروف الاقتصادية والاجتماعية، وتحسين معيشتهم من أجل تربية الأبناء والبنات على أسس أخلاقية سليمة، وتهيئة العيش الكريم لتقي من شر السقوط في هذه الموبقات.
وأبان إمام وخطيب المسجد الحرام أن الإسهام في العلاج والتوعية مسؤولية الجميع، فالجهات المختصة لها دورها ومسؤوليتها، المدرسة، وأهل العلم في المساجد، وأصحاب القلم، والرأي، والحقوق، والاقتصاد، والصحة، والأندية الرياضية، والثقافية، والجمعيات المهنية بأنواعها، رجالية، ونسائية، والمؤسسات الثقافية والإعلامية، ومواقع التواصل الاجتماعي، والجمعيات الخيرية، وكل غيور ومحب لدينه وبلده وأهله، كل هؤلاء عليهم مسؤولياتهم في المتابعة والتبليغ والعلاج، كما ينبغي النظر في حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية وتهيئة فرص العمل، والنظر في مشكلة الفراغ والبطالة.
وأبان الشيخ بن حميد أن بلادنا تقود حربا ضروساً واسعة ضد هذه الآفة على جميع الجهات الأمنية، والاجتماعية، والصحية، مستهدفة إشراك عناصر المجتمع كافة تعمل بجد وحرص، وتتخذ الإجراءات الوقائية والتربوية، والتوعوية بمخاطر هذه الآفة الفتاكة، كما تقوم بتوفير الدعم النفسي، والاجتماعي للمبتليين وأسرهم، مشدداً على أن مكافحة المخدرات هي قضية المجتمع كله فهي حرب تطهير شعبية، فلا بد من التعاون التام مع الدولة في كل أجهزتها على هذا العدو.
مسؤولية اجتماعية
يشدد د. عبدالعزيز الحوشان على أن حماية المجتمع من المخدرات مسؤولية جماعية، ولا تتحقق إلا بتكاتف الأسرة والمدرسة والدولة والمجتمع في منظومة واحدة هدفها حماية الإنسان وبناء مستقبل آمن وخالٍ من هذه الآفة وهذا ما تبذله الدولة - رعاها الله - في مكافحة هذه الآفة الفتاكة، ونشاهد بين الحين والآخر رجال مكافحة المخدرات والجمارك - وفقهم الله - من ضبط المهربات من المخدرات رغم تنوع طرق التهريب إلا أن هذه العيون بالمرصاد.
آثار المخدرات
يشير الدكتور موفق عبدالمولى أخصائي التخدير والعناية المركزة بالرياض أن المخدرات من أخطر الآفات التي تهدد المجتمعات وتفتك بشبابها، إذ تُدمّر العقول، وتزرع الضعف واليأس، وتُقوّض دعائم التنمية والتقدم؛ فالشباب هم عماد الأمة، وبصلاحهم ينهض الوطن، وبانحرافهم ينهار المجتمع، مشيراً إلى أن آثارها خطيرة مدمرة للجميع، ومن ذلك:
أولاً - أثر المخدرات على الشباب:
يؤدي تعاطي المخدرات إلى أضرار جسيمة على صحة الشباب، أبرزها تدمير الجهاز العصبي، وضعف الذاكرة والتركيز، والإصابة بأمراض خطيرة في الكبد والرئتين والقلب، كما ينعكس الإدمان سلبًا على الحالة النفسية، فيُسبب القلق والاكتئاب والعزلة، ويؤدي إلى اضطرابات سلوكية تجعل الشاب يفقد السيطرة على تصرفاته، أما من الناحية التعليمية والمهنية، فإن المدمن يفقد اهتمامه بالدراسة والعمل، ويعجز عن تحقيق طموحاته، مما يحرمه من مستقبل مشرق.
ثانيًا - أثر الإدمان على الأسرة:
لا يقف خطر الإدمان عند حدود الفرد، بل يمتد إلى أسرته، فيُسبب تفكك الروابط الأسرية نتيجة الخلافات وفقدان الثقة، كما تتحمل الأسرة أعباء مالية ونفسية كبيرة، مما يؤدي إلى معاناة جماعية تُهدد استقرارها.
ثالثًا - أثر المخدرات على المجتمع:
يسهم انتشار المخدرات في زيادة معدلات الجريمة، كالسرقة والقتل والعنف، بسبب حاجة المدمن لتوفير المال، كما ينعكس ذلك سلبًا على الاقتصاد، نتيجة انخفاض إنتاجية الأيدي العاملة وتزايد الإنفاق على العلاج والمكافحة، والأخطر من ذلك، أنه يؤدي إلى تراجع القيم الأخلاقية وضمور روح المسؤولية والانتماء الوطني.
مسؤولية مجتمعية
ويؤكد الدكتور موفق عبدالمولى أخصائي التخدير والعناية المركزة بالرياض أن الوقاية من المخدرات تبدأ بالتوعية في المدارس والبيوت ووسائل الإعلام، إلى جانب غرس القيم الدينية والأخلاقية التي تُحصّن الشباب من الانحراف، كما يجب تقديم الدعم النفسي والطبي للمدمنين الراغبين في التعافي، ومساندتهم للعودة إلى الحياة الطبيعية. إن مكافحة المخدرات مسؤولية جماعية تتطلب تعاون الأسرة والمجتمع والجهات الرسمية، مشيراً إلى أن الإدمان ليس نهاية الطريق، بل يمكن تجاوزه بالإرادة والعلاج والدعم المجتمعي، وعلينا جميعًا أن نواجه هذه الآفة الخطيرة بالوعي والتكاتف، لنحمي شبابنا ونبني مجتمعًا سليمًا خاليًا من المخدرات.