د.زيد محمد الرماني
المؤلف هو بيتر فليمنغ، وهو كاتب ومفكر اقتصادي بريطاني مرموق، له إسهامات كثيرة في مجال الاقتصاد السلوكي والنقد الاجتماعي للرأسمالية، عُرف فليمنغ بطرحه النقدي تجاه المؤسسات الرأسمالية ودراسته للعلاقات المعقدة بين السلطة، المال، والمجتمع. تتميز كتاباته بالأسلوب الحاد والجريء، مما يجعلها ذات تأثير كبير على القارئ.
أما الكتاب فيناقش مفهوم «رأسمالية الشوكر دادي»، وهو مصطلح يستخدمه فليمنغ لوصف العلاقات الاقتصادية القائمة على استغلال الشركات للأفراد بطريقة تعتمد على الترهيب والترغيب، وكيف تُسهم هذه العلاقات في تعزيز هيمنة الشركات الكبرى وتفاقم انعدام المساواة.
باختصار، يستخدم فليمنغ مفهوم «الشوكر دادي» (الرجل الثري الذي يدعم شخصًا أصغر سنًا ماديًا) لوصف العلاقات غير المتوازنة في الاقتصاد الرأسمالي الحديث.
إن شوكر دادي «Sugar Daddy» هو مصطلح يُستخدم عادة لوصف رجل ثري يعيل شريكًا أصغر سنًا مقابل تبعية أو مصلحة. الفكرة الجوهرية للمصطلح هي في العلاقة غير المتكافئة: طرف يملك المال والسلطة ويوفر الامتيازات، مقابل تبعية أو ولاء من الطرف الأضعف اقتصاديًا.
فليمنغ يستخدم هذا المصطلح لوصف شكل جديد من الرأسمالية أصبحت فيه الشركات الكبرى تتحكم في الأفراد عبر الإغراء المادي المؤقت، مقابل الولاء، التبعية، وفقدان الحرية.
الفكرة المركزية للكتاب تقوم على انتقاد الرأسمالية الحديثة (النيوليبرالية) التي تتسم بالتفكيك المتزايد للضوابط والتشريعات، مما أدى إلى اقتصاد غير رسمي يعتمد على استغلال الأفراد من خلال إغراءات مادية مؤقتة، شبيهة بعلاقة شوكر دادي. لذا، يربط فليمنغ بين هذا النمط الاقتصادي وسلوكيات استغلالية مثل تلك التي ارتبطت بهارفى واينشتاين، مشيرًا إلى أن الاقتصاد الجديد يعزز الهيمنة والتبعية تحت ستار الحرية الفردية.
المغزى الفكري للكتاب يكشف الجانب المظلم للرأسمالية النيوليبرالية التي تُروّج للحرية الفردية بينما تُكرس الاستغلال والهيمنة تحت ستار الإغراءات المادية.
لذا، يستخدم فليمنغ استعارة شوكر دادي لتوضيح كيف يُخضع الاقتصاد الجديد الأفراد من خلال ترتيبات هشة مثل عقود العمل المؤقتة، مما يعزز عدم المساواة وانعدام الأمن. يدعو إلى إعادة التفكير في هيكلية العمل والمجتمع من خلال حلول مثل الدخل الأساسي الشامل وتنظيم المجال العام، مع نقد حاد لأفكار فريدريك هايك والمدرسة النمساوية التي تُشجع على التفكيك. يُبرز الكتاب أهمية مواجهة الاستغلال بـ»تشاؤم ثوري» لإعداد المجتمع لمستقبل أكثر عدالة.
ولذا، يعرض فليمنغ في كتابه هذا ديناميكيات هذه الأنظمة الاقتصادية وتأثيرها السلبي على المبادئ الاجتماعية والأخلاقية، مشيرًا إلى أن الرأسمالية الحديثة تسعى إلى قمع الأصوات المعارضة وترسيخ علاقات استغلالية بدلاً من دعم العدالة والمساواة.
كما يعرض الكتاب لدراسة حالات وشواهد من الواقع تظهر كيف أثرت هذه الرأسمالية على حياة الأفراد وقراراتهم، وأثرت على السياسات الحكومية التي تدعم في بعض الأحيان الشركات الكبرى على حساب المواطن العادي.
وقد سعى فليمنغ إلى تشخيص مشاكل الرأسمالية وإبراز العيوب التي قد تكون سببًا في الإخفاقات الاقتصادية المستقبلية، وقدم أفكارًا لتحليل الواقع وطرقاً بديلة لخلق اقتصاد أكثر إنسانية.
كما يشير الكتاب إلى أن الشركات الكبيرة تحصل على دعم وحماية من الحكومات، مما يخلق بيئة تعزز المحسوبية والتبعية بدلًا من المنافسة العادلة.
ويرى فليمنغ أن هذه الديناميكيات تضعف مبادئ الجدارة والمنافسة، حيث لا تعتمد النجاحات غالبًا على الكفاءة بل على الارتباطات والنفوذ.
كما يتناول الكتاب التحديات التي تفرضها الرأسمالية النيوليبرالية الحديثة، حيث يسود «مزيج مقلق من الفردية القاسية والمقاييس الموضوعية المفرطة والصدمات الناتجة عن الاتصال الوثيق».
ويتميز الكتاب بكونه يدعم حججه بدراسات حالة وأدلة واقعية من الحياة اليومية، مما يزيد من مصداقيته ويجعله سهل الفهم للقراء. كما يتميز الكتاب بلغة حادة وأسلوب فعال، مما يسهل نقل النظريات الاقتصادية المعقدة بطريقة سلسة ومستساغة. ولذا يجمع الكتاب بين العمق الأكاديمي والجذب للقراء العاديين، مما يجعله مفيدًا للأكاديميين وعامة المهتمين. ولا يقتصر الكتاب على الجانب النظري، بل يسلط الضوء على القضايا الاقتصادية الحالية، مما يشجع على التفكير في البدائل العادلة.