الشيخ عبدالعزيز بن محمد العتيقي أحد رواد التعليم في المملكة العربية السعودية والخليج العربي صاحب أفق واسع ونظرة شمولية، لم يكتفِ بالتعليم التقليدي الذي تلقاه في منطقته التي ولد وترعرع بها، وانطلق إلى آفاق أرحب حيث التعليم شبه النظامي في الزبير ثم إلى مصر حيث التعليم النظامي الحديث، ولم يكتفِ بذلك بل وسع معارفه بالقراءة والاطلاع وزيارة بعض البلدان الإسلامية، وشعر بالحاجة لزيادة أعداد المدارس النظامية في المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي والتي كانت محدودة في ذلك الزمن، فأسهم في تأسيس بعضها وإدارتها، كما ساهم بفاعلية في خدمة بلده المملكة العربية السعودية في المجالات السياسية والإعلامية، وعند استقراره بالكويت شارك في نهضتها التعليمية بالتدريس وإدارة المدارس لافتتاح المدارس.
ولد الشيخ عبدالعزيز بن محمد بن عبدالعزيز بن محمد بن سليمان العتيقي في حرمة من إقليم سدير في منطقة نجد في المملكة العربية السعودية سنة 1300هـ لأسرة عنيت بالعلم طلباً وتدريساً، وتربى في بيت علم ودين حيث جده لأمه هو الشيخ إبراهيم بن محمد العتيقي قاضي (المجمعة وسدير) في ذلك الوقت والذي تعلم على يديه مبادئ الدين الحنيف، وعديد من المشايخ منهم عبدالله بن سيف وعبدالله الفاخري وأحمد بن عبيد خلال نشأته في المجمعة(1)، وكان تواقاً لطلب العلم والاستزادة منه فانتقل إلى الزبير في العراق والزبير في ذلك الوقت مقصد العديد من النجديين لطلب الرزق والعلم، فدرس على يدي الشيخ محمد الرابح ومقره مدرسة السعدون (2)، وصدف أن تعرف في البصرة إلى السيد رشيد رضا من أقطاب الحركة الإصلاحية صاحب (المنار) واتفق معه على الدراسة على يديه بمصرفي مدرسة (دار الدعوة والإرشاد)، فدرس على يدي الشيخ في هذه المدرسة سنتين من 1330هـ حتى1332هـ وتلقى العلم إبان دراسته بمصر على يدي الشيخ رشيد رضا وغيره أمثال أحمد أفندي الديك والسيد طه والدكتور محمد صدقي. وقد توقفت الدراسة أثناء الحرب العالمية الأولى، فانتقل الشيخ إلى البصرة حيث وضع تحت الإقامة الجبرية أثناء احتلال البصرة من قبل الإنجليز، وانتقل بعد ذلك للعمل بين بين الأحساء والكويت حيث انتقلت عائلته، وفي تلك الفترة قام بزيارة البحرين وكان ذلك في شعبان 1334هـ ونزل ضيفاً على السيد علي بن إبراهيم الزياني (3)، فاقترح العتيقي على الزياني أن يبني مدرسة للعلم مثل المدرسة المباركية في الكويت، ويجعل بها مأوى لطلبة العلم الفقراء فوافق الحاج علي الزياني على ذلك وكلف العتيقي بالإشراف على بناء المدرسة، وبعد أن اكتمل البناء طلب منه أن يتولى إدارتها ويبحث عن اثنين من المعلمين البحرينيين لمساعدته ففعل وجعلها مدرسة حديثة، وبقي مديراً ومعلماً بهذه المدرسة حتى ظهر مشروع التعليم. ثم إن صاحبها أوقفها وقفاً خيرياً على الغرض الذي أنشئت من أجله وهو التعليم وإيواء العلماء والفقراء. وكانت أول مدارس مشروع التعليم مدرسة الهداية الخليفية بالمحرق أسست في أواخر عام 1919م شغلت المدرسة مبنى مدرسة الزياني حتى اكتمال مبناها الذي أنشئ لها. ولما تحدث مجلس المشروع عن مدير لمدرسة الهداية اقترح عضوا المجلس عبدالرحمن الزياني وعبدالوهاب الزياني اسم حافظ وهبة مديراً لها لأنهما يعرفانه، وهكذا أوصوا العتيقي أنيبلغه وكان في الكويت فتم ذلك وجاء حافظ وعمل مؤقتاً تحت إدارة العتيقي ولما غادر البحرين جعل حافظاً مكانه، فبقي الأخير نحو عام يدير المدرسة ويشارك في بعض جلسات المشروع (4). وبعد تعذر رجوع الشيخ حافظ وهبه للبحرين جاء العتيقي مكانه وتولى إدارة المدرسة، وفي عهده انتقلت الهداية من مدرسة الزياني لمبناها الجديد ثم تولى أيضاً إدارة مدرسة الهداية الثانية في المنامة التي افتتحت زمن حافظ وهبة، وأوكل إليه التعاقد مع معلمين من العراق والشام اجتهد في اختيارهم واهتم بالمدرسة ونظامها فوضع خطة للمواد الدراسية، اشتملت على ثمان وعشرين حصة أسبوعية لكل صف دراسي وتضمنت مواد في التربية الإسلامية واللغة العربية والأخلاق والعلوم والرياضيات والاجتماعيات والرسم وذلك بتسلسل مناسب من الصف الأدنى إلى الأعلى (5)، واستجلب كتباً كثيرة من مصر كمقررات ومراجع لهذه المواد ولتثقيف الطلاب في الوقت نفسه، ومن اللافت أن هذه الإرساليات من الكتب تضمنت كتباً للمفكر الفرنسي جوستاف لوبون وهي (سر تطور الأمم وروح الاجتماع ومقدمة الحضارات) وهذا يدل على رؤية الشيخ البعيدة لمستقبل التعليم والاستفادة من كل علم (6)، واعتنى بطلابه ولاسيما النخبة منهم في الصف الأعلى فألحقهم كأعضاء مشاركين في النادي الأدبي الذي افتتح في المحرق، وكانت تقام فيه الحفلات والندوات الأدبية، وزار المدرسة في عهده أمين الريحاني فأقامت المدرسة حفلة ألقى خلالها أحد طلاب المدرسة كلمة وكان هذا الطالب هو أحمد موسى العمران ( وزير المعارف السابق للمملكة البحرين)، (7)، ترك الشيخ عبدالعزيز البحرين أواخر عام 1342هـ وتنقل بين بلدان الشرق الأقصى حيث تفرغ للدعوة السلفية والتعليم، متنقلاً بين الهند والملايو وإندونيسيا، واستقر فترة من الزمن في فلفلان (تسمى الآن بينانج وهي إحدى جزر ماليزيا) حيث أشرف على مدرسة أهلية عربية بناء على طلب الشيخ محمد الحساوي صاحب المدرسة، وبذل جهداً للتصدي لافتراءات المفترين على الحركة السلفية، كما قام بالدعوة في الهند من أجل التقريب بين المسلمين واتصل بكثير من زعمائها أمثال غاندي وأبي الكلام أزاد. ثم انتقل للحجاز عند فتحها من قبل الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - وشارك في لجنة تسليم جدة له من قبل الشريف علي بن الحسين وتنفيذ اتفاقية التسليم سنة 1344هـ، ثم عمل مساعداً للملك فيصل بن عبدالعزيز - رحمه الله - عندما كان نائباً للملك بمكة المكمة، كما كان عضواً في (مجلس الشورى) للهيئة التأسيسية لتنظيم أسس الحكم في الحجاز التي أسسها الملك عبدالعزيز في ذلك الوقت.
أنشأ مدرسة في المجمعة تولى التدريس بها تطوعاً وذلك بعد عودته لها في عام 1354هـ (8) سعى أن تكون على النمط الحديث استمرت فترة من الزمن، وفي سنة 1358هـ عاد إلى الكويت حيث تقيم أسرته وعمل في المدرسة (المباركية) ثم المدرسة (القبلية) حتى عام 1949م، حيث افتتحت الحكومة مدرسة الفحيحيل وهي أول مدرسة تفتتح خارج مدينة الكويت فانتقل إليها ناظراً حتى عام 1956م حيث أحيل إلى التقاعد، وتم تكريمه في الكويت بتسمية إحدى مدارسها باسمه. تعلم على يدي الشيخ عبدالعزيز العديد من الطلاب المبرزين الذين كان لهم شأن بعد ذلك خلال مسيرته الطويلة في التعليم نذكر منهم على سبيل المثال الأستاذ إبراهيم الحجي (وكيل وزارة المعارف السابق بالمملكة العربية السعودية) ووزير المعارف السابق بمملكة البحرين الأستاذ أحمد العمران.
ترك الشيخ العتيقي إضافة إلى مسيرته الحافلة في التعليم في الخليج والجزيرة العربية آثاراً مكتوبة مقالات نشرت في العديد من الصحف والمجلات العربية، كان أبرز ما حفظ منها مقالاته في جريدة أم القرى وخطباً ألقاها في مناسبات متنوعة.
توفي -رحمه الله- بمدينة الكويت في العاشر من المحرم سنة 1389هـ.
** **
المصادر:
1 - الشيخ حمد الجاسر، مجلة العرب (الربيعان 1420هـ).
2 - موقع تاريخ الإلكتروني.
3 - المصدر السابق رقم (1).
4 - مبارك الخاطر مضبطة المشروع الأول للتعليم الحديث في البحرين 1919م - 1930م.
5 - رسالة من عبدالعزيز العتيقي إلى الشيخ إبراهيم بن محمد الخليفة بتاريخ 12-3-1341هـ (أوراق من دفتر التعليم).
6 - بيان بعدد وأسماء الكتب أرسلت من إحدى المطابع المصرية إلى الشيخ العتيقي.
7 - الهداية الخليفية رجال وافاق، د. عبدالحميد المحادين.
8 - المصدر السابق رقم (1).
** **
- عبدالعزيز محمد العريفج