Culture Magazine Monday  03/12/2007 G Issue 225
الملف
الأثنين 23 ,ذو القعدة 1428   العدد  225
 

شيخنا العاشق
عبدالسلام بن إبراهيم الحميد

 

 

كنا طلابا نرتاد المكتبة، وكان للأديب القاص عاشق الهذال حضور مميز في إدارتها، وكان وجوده في ذاكرة الإبداع القصصي - ولا يزال - يثير الهيبة في نفوسنا حيث نقرأ قصصه الواقعية التي تعالج قضايا المجتمع، وننهل من حكاياته التي تتشكل من مفردات واقعنا الإنساني البسيط المطمور في ثنايا التحولات الاجتماعية التي لا تكف عن التناثر.

وظل عاشق هذا الرجل المهيب وفيا للثقافة، مواظباً على العطاء السردي، شريكا في بناء ثقافة محلية مميزة، يصنع من فن السرد شاهدا لا يغيب عن ساحة الإبداع السردي العربي ليعكس من خلال كلماته البسيطة، وبنائه السردي السلس في إبداعاته البسيطة ضمير الإنسان السعودي المتحول، ووفاء هذا الإنسان لأرض وطنه وقيمه التي صنعها أجداده عبر تاريخهم الطويل، ووجه ميمم شطر المستقبل، يتنسم رائحة التغيير بروح متفتح، وعقل نابه.

وبقى الأديب عاشق عيسى الهذال صوتاً معبراً عن هموم إنسانية بسيطة لإنسان غير متكلف ولا مصنوع.. إنسان خرج من طينة الأرض وعاش فيها وتفاعل معها، وتركها تتفاعل معه ومع عطائه، ولم يختلف المبدع عن شخصياته السردية فجمع من الصفات الإنسانية المعبرة في شخصية الإنسان ما يتوازى مع ما حملته تجربته الإبداعية.

أسهم عاشق السرد والثقافة في المشروع السردي السعودي بجهد متميز وأعمال قصصية لاقت استحسان القارئ والناقد، معبراً عن ولع بالبيئة وإنسانها البسيط، مشغولاً بنحت شخصياته من الواقع الحي، والتعبير عن تفاصيل الحياة المعاشة في عوالم شديدة الخصوصية والتميز في أسلوب سهل ممتنع، فقد كتب الهزال أغلب أعماله السردية القصصية قبل الطفرة الأولى.. وصور فيها البيئة بما هي أرض وبشر وأحداث بروح عاشق حقيقي في لغة سهلة ومبسطة أشبه ما تكون بالصور الفوتوغرافية.

وبعد أن كسدت صناعة القراءة لم يتخلَّ عاشق المعرفة عن دوره، فساهم في تأسيس فرع الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بحائل، وكان أول رئيس لهذا الفرع، وأمضى عددا من السنين ينحت صخرا ليؤسس للفاعلية الثقافية المحملة بالجمال بعدما كسدت الثقافة، واستمر مجتهدا يسترجع عوالم الثقافة والمعرفة بعقل متماسك لا يعرف الشكوى وإن شاب المناخ الثقافي ما شابه، ولم يهتم بأن الثقافة والأدب لا يؤكلان عيشاً، وكان رأيه أن ذلك منطق من هم خارج عالم الثقافة والمعرفة، ويصدق هذا المنطق الأعوج بعض المستقفين، واثقاً أن من يقول كسد الأدب فقد كذب.

هذا هو عالم عاشق الهذال الذي عاش حياة ثرية وإن كانت محدودة إلا أنها كانت المرعى الخصب لمشروع إبداعي أحب الوطن طبيعة وإنساناً تمسك بالمثل العالية بطبع عطوف قليل التجهم.. يضحك من كل قلبه، وينظر إلى المستقبل رغم طفولة متقشفة بقيت في نفسه غالية رغم متاعبها.

عاشق هذا العاشق للأدب يسيره الأدب ويزين حياته بأجمل وأمتع التجارب، وتحمل متاعب الحياة والمرض بصبر على مدى الأيام وعاشها وما زال بكل بهجة وبساطة، مجندا روحه للحق والخير والجمال.. عاشق الهذال جزء من سيرة هذا الوطن ومبدعيه من كتاب القصة والرواية.. كتب كما كتبوا على استحياء خشية الاستعداء، وكان نتاجه بلغة عربية بديعة.. عبرت عن خلجات النفس البسيطة بشكل لا أجمل وأروع.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة