Culture Magazine Monday  03/12/2007 G Issue 225
فضاءات
الأثنين 23 ,ذو القعدة 1428   العدد  225
 
أحمد ماطر (ابن عسير وسماها)
أميرة القحطاني

 

 

أحب القراءة وارتاد المكتبات مذ كنت طفلة ولم يستوقفني في يوم من الأيام كتاب غلافه جميل أو له حجم معين، كنت أقتني الكتب لجوهرها ولكاتبها ولعنوانها أحيانا لذا حين صدرت (فتنة) لم أهتم بغلافها أو حجمها ولم أطلب مشاهدتها قبل الطباعة، ولم أتضايق منها بعد الطباعة، ولكن ردة فعل بعض المحيطين بي كانت مفاجئة، وأول من استاء من الغلاف أستاذي العزيز عبده خال ثم جاءتني بعض الآراء المستغربة من عدم اهتمامي بالمظهر الخارجي للرواية.

وقبل أن تنفد النسخة الأولى من (فتنة) كنت أبحث عن غلاف جديد للطبعة الثانية، وقد طال بحثي في بادئ الأمر عن فنان له لوحات مميزة ومع احترامي للجميع ولأنني لا اعرف فنانين تشكيلين وجدت صعوبة بالغة في بادئ الأمر كنت ابحث عن فنان يفهم البيئة التي تحيط بالرواية ويلمس الأبعاد النفسية للبطلة.

وبعد أن شارفت على اليأس شاهدت بالمصادفة لوحة معروضة في المتحف البريطاني اسمها (عواطف معدلة وراثيا).. استوقفني جمالها، بحثت عن صاحبها وعرفت أنه الفنان التشكيلي والمصور الفوتوغرافي والطبيب السعودي أحمد ماطر. حدثته عن طلبي باختصار وكنت أتوقع عدم موافقته لكنه وبكل لطف طلب مني إرسال الرواية لقراءتها أولا.

بعد أيام اتصل بي ولم أكن أعرف عنه شيئا سوى أنه صاحب لوحة المتحف البريطاني . أبدى إعجابه (بفتنة) ووعدني بوضع غلاف يليق بها على حد تعبيره لكنه طلب مهلة طويلة وقال: أنا لا أعلم متى سأتمكن من الوصول إلى فكرة الغلاف لكنني أعدك بأن ابذل جهدي.

قلت له سأقوم بملاحقتك من بعيد كي لا تنسى. وكان في ذلك الوقت قادما من دورة تدريبية في واشنطن ولديه إجازة لكنه وبعد فتره قصيرة دخل في دوامة العمل (عمله كطبيب وكفنان تشكيلي وكمصور فوتوغرافي لديه التزامات كثيرة ومنها الترحال إلى داخل المناطق الجبلية لتصوير الآثار لجهات رسمية إلى جانب عمله في (وقف) وهذا الأخير لن أحدثكم عنه كي لا أقطع الطريق على أستاذنا الكبير أحمد أبودهمان والذي قال في إحدى مقالاته الأخيرة بأنه سيكتب عن (وقف) بتفصيل أكثر ولكن وباختصار هو عبارة عن مجلس ثقافي صغير في مساحته كبير في أهدافه أسسه عدد من مثقفي المنطقة الجنوبية الشباب ومن ضمنهم الدكتور أحمد ماطر.

الذي أريد الوصول إليه من خلال هذه الفقرات الأخيرة إن هذا الشاب يعمل وكأنه في خلية نحل لا يتوقف إلا فيما ندر خصوصا فيما يتعلق بمرضاه .. لديه اهتمام كبير بهم وبتوعيتهم وهذا عرفته من أصدقاء وليس منه هو إلى جانب ترحاله المستمر كمصور وكمشارك في فعاليات (وقف).

ونتيجة لهذا الانشغال المستمر تأخر إعداد أو رسم لوحة الغلاف لثمانية أشهر ثم فاجأني قبل أسابيع بإرسال اللوحة وقد كانت بالنسبة لي مفاجأة حقيقية لأنه فهم (فتنة) كما لم يفهما أحد من قبل حين استخدم المغناطيس في رسم شخصيتها المركبة.

شكرته.. ولكن وكما هي العادة لكل شيء ثمن وقد خجلت فعلا من طرح السؤال الذي لا أتمنى أن اطرحه على فنان أو مبدع في يوم من الأيام (بكم اللوحة ؟) لذا قمت بإرسال شيك إلى عنوانه في أبها وطلبت منه من خلال رسالة مرفقه بان يضع المبلغ الذي يراه مناسبا لتلك اللوحة الفاتنة. فرد الرسالة بالشيك وكتب عليه (الإخوة لا يتعاملون هكذا وأنت اختنا وضيفتنا ولو لم تعجبني الرواية لما رسمت غلافها).

لن اعلق على التصرف النبيل لهذا الشاب الصغير الكبير لأنه لا يحتاج إلى تعليق ولكنني أود أن أؤكد بأن هذا الإنسان الجميل في أسلوبه وفي أدبه وفي أخلاقه ما هو إلا صورة حقيقية لابن الجزيرة العربية الكريم عزيز النفس المضياف. الذي يحز بالنفس فعلا أن الجهات المعنية والمسؤولة عن الفنون بشكلها العام لا يهتمون بكوادرهم ولا يبرزونهم ولا يدعمونهم. فأنا لم أعرف أحمد ماطر الفنان من خلال المعارض الفنية التي تقام من قبل وزارة الثقافة والإعلام داخل السعودية أو خارجها ولم أقرأ عن أعماله الفنية أو لوحته المميزة في الصحف السعودية أو أشاهدها في الإعلام السعودي الخارجي أو الداخلي لم أسمع بان أحد المسؤولين قد كرمة عن تلك اللوحة الشامخة في المتحف البريطاني خصوصا وأنه العربي الوحيد الذي احتل وبجدارة هذه المكانة.. وربما يعود السبب - وهذا مجرد اعتقاد - إلى أن المسؤولين يتصورون المتحف البريطاني (سبهلله) سيلتقط أي لوحة تصادفه في الطريق ويعرضها لذا لم يهتموا للأمر. ولم يكرم أحمد ماطر كمبدع سعودي على هذا الإنجاز الكبير إلا من قبل شخصين اثنين فقط وهما كبيران لكن هذا لا يكفي:

الأول هو رجل التنوير شاعرنا الأمير خالد الفيصل وكان ذلك في الحفل الختامي للملتقى 2005 على مسرح المفتاحة بأبها وقد شاهدت الأمير خالد الفيصل في احتفالات سابقة وهو يلقى كلماته أثناء تكريمه للمبدعين أو للمؤسسات لكنني لم أسمعه من قبل يتحدث عن أحد بفخر كما سمعته يتحدث عن هذا الشاب المبدع وهذا نص الكلمة (مكنته سماعة الطبيب من فحص أسرار المكان وتشخيص جمال الجبال المأهولة بالغيم اكتشف أن الفن مهنه إنسانية كما الطب فأيقظ بريشته وكاميرته الزوايا الغافية ليسبق زمنه وعمره حين وجد نفسه عالميا من خلال لوحته (عواطف معدلة وراثيا) التي اقتناها المتحف البريطاني).

أما الرجل الثاني فهو الأمير محمد بن نواف سفير المملكة في لندن والذي أقام له احتفالا خاصا في العاصمة البريطانية.

الذي يثلج الصدر فعلا أن قناة ال (CNN) الأمريكية أرسلت طاقمها من أمريكا ليحل في عسير وتحديدا في أبها ويصور فيلما وثائقيا عن حياة هذا الشاب الناجح إلى جانب أربعة آخرين من أنحاء المملكة كلها وهناك شركة خاصة كبيرة اختارته ليمثلها في إحدى الدعايات الخاصة بمنتوجها الشهير وهذا شيء لا يحظى به أي إنسان.

ملاحظة: الدكتور أحمد ماطر مثال واحد فقط من مئات الشباب المبدعين من أبناء المملكة العربية السعودية لكن وللأسف لا أحد يعرفهم خارج السعودية ولا أحد يهتم بهم داخلها.

شكرا للدكتور والفنان أحمد ماطر (ابن عسير وسماها) على الصورة المشرفة التي وصلتني عن الإنسان السعودي وأنا في الإمارات وشكرا مقدما على الصورة الجميلة التي ستصل إلى الشعب الأمريكي لتخبره بأن السعوديين ليسوا إرهابيين كما يسوّق لهم هناك بل شباب يحملون الشهادات العلمية العليا المشرفة ويحملون إبداعهم إلى أرقى الأماكن العالمية.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة