Culture Magazine Monday  03/12/2007 G Issue 225
فضاءات
الأثنين 23 ,ذو القعدة 1428   العدد  225
 

قراءات في الأدب العراقي بعد الاحتلال:
رواية «قشور الباذنجان» لعبدالستار ناصر 2-2
عبدالرحمن مجيد الربيعي

 

 

عندما نتابع أحداث الرواية سنكتشف أن الشخصية المحورية فيها ياسر عبدالواحد لم يتم تعليمه فعمل في مهنة يدوية بسيطة حتى تعلم النجارة واحترافها، ولم يتزوج رغم أنه في الأربعين من عمره، لكنه عوّض ما لم يتعلمه في المدرسة بما تعلمه من الكتب التي كان قارئاً مواظباً لها، ولذا نراه يتوقف عند قراءاته ويدرج مقاطع من قصائد وأقوال لأدباء معروفين. وهذه مسألة ميزت كتابات عبدالستار ناصر المحتفية بأصدقائه حيث يسميهم بأسمائهم.

كان رجل المخابرات يلاحق ياسر عبدالواحد بإلحاح ليغفر له ما فعله به، وقد جاءه مبلغ مالي كبير وبالعملة الصعبة تعويضاً له عن عام من السجن والتعذيب.

لكن ياسر عبدالواحد الذي ذكرته أخته (سلاف) بأن الرجل الغامض سيمر عليه في الخامسة عصراً يقول في سره: (أربكني أنه سيأتي ثانية، يكفيني ما أنا فيه من صراع مع نفسي، لا أريد أن أراه. ليس عندي ما أقول).

ولكنه تراجع عن هذا واستدرك: (بقيت في البيت، قررت أن أراه وأحكي معه أو يحكي معي ما يشاء، مرة واحدة وينتهي كل شيء، الحياة لا تستحق أن يخسرها في قضية لا جدوى منها).

لقد ترك المبلغ الكبير وبالدولارات في كيس من أكياس التسوق عند سلاف عندما لم يجد ياسر وغادر وهو يقول: (سآتي في وقت آخر). وأخرج ياسر الدولارات المغرية وهو يردد ساخراً: (جاء يشتري غفراني بالعملة الصعبة!).

ولما كان البلد يعيش تحت الحصار راح ياسر يعد ما تساويه بالدينار العراقي فاكتشف أنها تكفي البيت (ما يقرب من عامين، ملابس وطعام، دجاج وسمك، أحذية وقمصان).

وعندما توجه إلى أخته بالسؤال كان ردها: (احتفظ بنقوده في مكان آمن ولا تقربها حتى تهتدي بنفسك إلى ما يشاء الله).

لم يكن لياسر إلا صديق واحد اسمه حيران، متزوج ويقيم في محلة أخرى، وكان يمتلك سيارة لذا يمر بياسر بين فترة وأخرى ليقوما بنزهة معاً قد تقودهما إلى مكان عام، مقهى، مطعم.

وكان حيران كاتباً، وكما يصفه ياسر (حيران يكتب أشياء تنشر في الجرائد يقول فيها كلاماً لا أعرف معناه).

وحيران كان دليل ياسر إلى مطعم المرايا المعروف في بغداد الذي كان أدباء بغداد يرتادونه في أوقات الظهيرة ليتعرف على بعض الأسماء التي تكتب في الصحف وتنشر الكتب.

ويقوم ياسر وحيران برحلة إلى دمشق وبيروت والقاهرة -على حساب حيران- الذي سنكتشف أنه كان معجباً بسلاف الأرملة ويريد الزواج بها رغم كونه متزوجاً (الرحلة كلها على حسابي وما عليك غير ترتيب الحقيبة).

كما ذكرت سابقاً بأن عبدالستار ناصر يزج وبود كبير بأسماء أصدقائه الأدباء. فهو يقرأ الشاعر الكردي شيركوبيكس والشاعر فاضل العزاوي ويضع مقاطع قد تبدو طويلة من قصائدهما. كما أن الرواية نفسها تبدأ بمقطع شعري لمظفر النواب يليه مقطع آخر للشاعر سعد سرحان فعبدالحميد الصالح ثم الكاتب الأردني زهير أبو شايب وغيرهم.

تتراكم الأحداث وتتسارع، ورجل المخابرات السابق يتعرف عليه حيران فهو جار له ثم يأتي الاحتلال، زوجة حيران تختفي، ولم يجدوها، ثم تعود، ويعرف حيران أن لها علاقات مع رجال آخرين، وأنها عندما اختفت لم تختطف بل ذهبت مع أحدهم، ياسر الذي لجأت إلى بيته يجد نفسه في علاقة معها.

سلاف توافق على الزواج من حيران بعد أن طلق زوجته، تبدأ حرب طائفية مرة، يغادر الجميع إلى الأردن، وهناك يعيشون في شقة مكتراة.

كان اسم رجل المخابرات الغامض (دوهان معروف البيجات) وقد عرف اسمه من حيران، وبعد أن عرف دوهان ياسر ترك لديه دفتر مذكرات أمانة يستعيدها عندما يريد، وكان ياسر قد قال له: (غفرت لك منذ وقت بعيد) عندما سأله إن كان قد غفر له، لكن دوهانا وجد مذبوحاً في بيته.

وكان حيران قبل طلاق زوجته قد طالبه مختطفون بمبلغ مالي كبير لإطلاق سراحها فدفعه كاملاً.

وإذا كان ياسر غاضباً ناقماً على النظام الذي سجنه لمدة عام في سجن انفرادي وتحت سطوة دوهان معروف البيجات (شمّام الدم) كما يسميه، فإن ما جاء بعد الاحتلال من أحداث كان أبشع بكثير والعملاء الذين تحولوا إلى أدوات بيد المحتل كانوا يلوغون بالدم. وشهوة القتل تعربد في أجسادهم. يقول ياسر عنهم: (لا أحد يعرف كيف يفكر هؤلاء القتلة، إنهم من طينة، أخرى ليست طينة البشر، وقد يأخذون الفدية ويقتلون الضحية. بلد خربانة حتى آخر حجر فيها).

وأيضاً يقول ياسر: (صارت الديرة محض خان جفان للذباحين الوافدين من كل حدب وصوب، رأس العراقي بمائة دولار، ومن أجل ألف دولار عليك قطع عشرة رؤوس، مهما كان المذبوح بشرط واحد هو أن يكون عراقياً عربياً أو كردياً مسلماً. والحدود مفتوحة لمن يشاء، أما خطف النساء فهو نزهة لا يحتاج إلى شجاعة حتى إذا كان ذلك في وضح النهار).

تزوج حيران من سلاف شقيقة ياسر في عمّان، والكاتب هنا وقد خبر الحياة في الأردن يثبت أسماء الأماكن التي تم فيها ذلك، اسم المحكمة ومكان السكنى.. إلخ.

ثم يسافر حيران إلى بغداد ليبيع بيته ويأتي بثمنه ومعه ثمن سيارته أيضاً لكنه يختطف، ومن أجل تدميره وكسر رجولته يعتدى عليه. وهو ما عذّبه وجعله في حالة انهيار كاملة. وعندما وصل عمان ملتحقاً بزوجته كان إنساناً آخر، حتى اقترانه بالإنسانة التي تمناها أصبح أمراً لا معنى له.

لقد اعترف لياسر بكل ما جرى له، ولذا لم يستغرب عندما جاءته شقيقته فزعة وهي تخبره أن زوجها حيران قد انتحر. وقد تم إسعافه حتى استعاد صحته بعد عدة أيام أمضاها في المستشفى.

وعندما خرج قرر العودة إلى بغداد، ولم تشأ زوجته ولا ياسر أن يتركوه يعود وحده فعادوا معه.

عادوا إلى بيتهم في محلة (سوق حمادة) وذات يوم امتثل ياسر لإلحاح شقيقته التي كان يخفي عنها سر ما حصل لزوجها. فأخبرها: (اغتصبوه، زوجك حيران اغتصبوه، صديق طفولتي وشبابي اغتصبوه، هل يسعدك الآن ما أقول؟).

ثم اختفى حيران من جديد بعد أن خرج للعمل وفتشوا عنه في كل مكان وبعد أسبوع عثروا على جثته في الطب العدلي.

إن اغتصاب حيران هو صورة أخرى لاغتصاب وطن الذي يصفه المؤلف: (بلد بلا ماء، بلا كهرباء، بلا أمان ولا سلام، بلد لم يعد فيه حيران، وما زال فيه الرعاع، الموت وحده من يتسلل نحو البيوت والأزقة).

هذه الرواية شهادة حية عن مرحلتين من تاريخ العراق الحديث. قبل الاحتلال وبعده، وهي فاتحة لأعمال روائية أخرى ننتظر أن يكتبها الأدباء العراقيون عن ماساة وطنهم.

- صدرت الرواية التي جاءت في 220 صفحة من منشورات المؤسسة العربية للدراسات والنشر.. بيروت 2007

- تونس


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة