Culture Magazine Monday  03/12/2007 G Issue 225
فضاءات
الأثنين 23 ,ذو القعدة 1428   العدد  225
 
الطريق إلى إسرائيل «3»
سهام القحطاني

 

 

وقد يرى البعض أن فكرة الجيتو تقوم على علاقة العزل وليس الإخفاء، وهو رأي لا يُقدر اختلاف طبيعة الفكرتين عندما يوحدهما كعلاقتين، في حين أن الإخفاء ليست علاقة، بل إحدى صياغات التعبير عن علاقة العزل (الجيتو).

كما أننا لا ننكر أن الجيتو كفكر اجتماعي له خطابه الخاص الذي كان دافعاً لإنشاء العلاقة التي كانت ترمي إلى احتفاظ اليهود بتراثهم الفكري وتعاليمهم الدينية دون أن تختلط بتراث المجتمعات التي سكّنوها أثناء الشتات، والتمحور حول فكرة عرقهم الفوقي، والتكيّف مع هذا الوضع الاجتماعي المزدوج هو الذي تطلّب خطاباً يعتمد على التوريّة بمثابة مُنتج للأثر، إضافة إلى الموقف الذي كانت تتخذه الشعوب التي ساكنها اليهود، والتي أجبرت اليهود على الالتفاف على أنفسهم، نظراً للسمعة السيئة التي كانت تلاحق اليهود حيثما حلّوا، هذه السمعة التي زرعت داخلهم عقدة الخوف من الآخر، والتي أسهمت بلا شك كارتباط نفسي مهم في صياغة فكرة الإخفاء في خطاب البرتوكولات، هذه العقدة التي نشأت من خلال رحلة الشتات والاضطهاد التي تعرض لها الشعب اليهودي بسبب مؤامراتهم على حكومات الدول التي سكّنوها وابتزازهم لتلك الدول، وهذا ما حذّر منه الرئيس الأمريكي بنيامين فرانكلين أمام أعضاء المجلس التأسيسي لوضع الدستور الأمريكي 1789، والذي يقول فيه: (ثمة خطر داهم وعظيم يتهدد الولايات المتحدة الأميركية وهو ناشئ عن وجود اليهود الذين حيثما حلوا أذلوا الشعوب وحاولوا خنقها مالياً، وهذا ما جرى في البرتغال وإسبانيا.... إن اليهود أشبه بالعلقة مصاصة الدماء لا تستطيع العيش مع أخواتها...

أحذركم أيها السادة بأنكم إذا لم تطردوا اليهود إلى الأبد فإن أولادكم وأحفادكم سيلعنونكم في قبوركم،... إن اليهود خطر علينا، وإذا سمح لهم بالدخول فإن مؤسساتنا ستكون كلها معرضة للخطر، ولذلك علينا أن نقصيهم عنّا بقوة القانون) - أمريكا بين الهنود والعرب، 124 نبيل خليل -.

واليهود أنفسهم لا ينكرون هذا، بل يصرحون به في برتوكولاتهم (الأولى لقد بلغت كل الأمم مرحلة تشعر فيها أننا حمل ثقيل على عاتقها ولكن حمل لازم لها، والثانية هي أننا بالدسائس نقيد الحكومات بالسياسة والاتفاقات الاقتصادية والسندات المالية) - البرتوكول السابع.

إنه منهجهم الثابت والدائم الذي يُعدّ من صميم برنامجهم الإمبريالي، منهج الضغط على مراكز قوى وضعف الشعوب، الأولى لتضعفها والثانية لتستغلها، وهي دائماً تجيد اختيار الأساليب المناسبة لتنفيذ المهمتين على مرحلتين متلاحقتين دون أن تشعر الشعوب بأن مُسيّرها بإرادة البرامج اليهودي وقدرته.

أن تكون مجرماً خطيراً أو عبقرياً خطيراً لا يحتاج الأمر إلى جيش، بل إلى فكر وتخطيط ووسائل تنفيذ يمكنانك من قلب العالم وتدميره، هذه الثلاثية هي سرّ قوة السيطرة اليهودية على العالم.

ولعل عبارة (العلقة مصاصة دماء) التي وردت في خطاب الرئيس بنيامين فرانكلين تبيّن لنا أحد الاتهامات التي كانت تنسب لليهود من قبل الشعوب التي ساكنها اليهود، وهي أن اليهود يقتلون الأطفال ليستخدموا دماءهم في خبز الماتزوت الذي يؤكل في عيد الفصح، وتقوم فكرة مسرحية شكسبير تاجر البندقية على تلك الأسطورة بجوار الهيمنة الاقتصادية لليهود على أوروبا، وهي أسطورة قد تتحمل الكذب أو الصدق.

ولا شك أن شيوع هذا الاتهام إشارة على الموقف العدائي نحو اليهود من قبل شعوب أوروبا، وقد استطاع اليهود تفتيت هذه التهمة فيما بعد وتحويلها إلى الشعوب غير اليهودية عبر السينما، وأفلام مصاصي الدماء، كفكرة ارتدادية تصطدم بمصدرها فيحمي حطامها الطرف آخر، لعبة لا تخلو من مخادعة خيال المتلقي لتقسيم ذلك الخيال ما بين الخوف والحيرة والغموض، تقسيم يحول العالم إلى لعبة شطرنج تلك هي العولمة أن يصبح العالم رقعة شطرنج، إنها دلالة أكثر منها معنى.

أقول إن هذا لا يعني أن هناك تمييزاً بين خطاب الجيتو وخطاب البرتوكولات، ومع ذلك لا يمكن فصل أثر الخطاب الناتج عن الجيتو عن خطاب البرتوكولات.

قد يقلل البعض من قيمة علاقة الارتباط بين خطاب البرتوكولات و والجيتو وأفكار الشتات التي تعتبر من المرجعيات التي شكلت وعي وهوية الفكر اليهودي، في حين لو تأملنا تعاليم كل منهم سنجد أنها تتضمن ذات الخطاب بنصوص مختلفة.

ويرى الدكتور عبد الوهاب المسيري أن نظام الجيتو أنتج (رؤية حلولية كمونية فهي تتصور أنها منفصلة عن الزمان والمكان، ولديها إحساس عميق بتفوقها ورسالتها المقدسة وتتبنى أخلاقيات مزدوجة في علاقتها مع الذات ومع الآخر) - دفاع عن الإنسان، ص24، الطبعة الأولى-.

و رأي الدكتور المسيري يلفت الانتباه إلى حيثيات مختلفة ارتبطت بنشوء فكرة الجيتو وخطابها الذي أثر بدوره على خطاب البرتوكولات، منها ما يتعلّق باللاهوتي والزمان والمكان والآخر.

إن أسطورة شعب الله المختار تعتمد على الحلولية أي كسر الحدّ الغيبي بين البشرية والإلهية للتوّحد مع معطى الخلود والبقاء المستمر، وهو معطى يمثل تعويضاً أكثر منه ميّزة، تعويضاً لعقدة النقص الذي يعني منها الشعب اليهودي، بأنه أقلية ومتشرد ومضطهد، فإحساسك بكيانك المقدس حماية لك من التذويب مع الآخر وحماية لك من الفناء، الفناء المعنوي، وفلسطين دلالة يتمحور حولها الكيان المقدس.

بما يعني إعطاء خاصية الإلهية للبشرية، وهو ليس تدميجاً، بل انتقال خاصية لرسمنة الإنابة، هذا الانتقال الذي رعاه النظام الحاخامي لليهود لتهيئة الذهن الشعبي اليهودي لقبول البديل عن الله، بل كما جاء في التلمود (أن علم الحاخامات يفوق علم الله، بل إن الله ليخضع في كثير من مواقفه لأحكام الزعماء اليهود، ..فيزعمون أن الله عزّ وجلّ إذا تردد في أمر فإنه يلجأ إلى حاخامات إسرائيل في الأرض ليشيروا عليه الصواب) - الخطاب اليهودي بين الماضي والحاضر، د. زياد حماد عليان، ص124-.

إن النظام الحاخامي نظام سياسي معقدّ له هيمنته على الوعي الاجتماعي اليهودي، وفق ما يملكه من تفويضات إلهية، وهو مروّج فكرتي الشعب المختار وأرض الميعاد، لأنهما توفران فعل المقاومة ضد فناء الشعب اليهودي، وضد الاندماج مع الشعوب الأخرى، والإضافة الأخرى لهكذا غاية هي إعداد الوعي اليهودي لتقبل وتصديق التاريخ الشعبي لليهود، يقول الحاخام إبراهام إسحاق كوك (ليست أرض إسرائيل شيئاً منفصلاً عن روح الشعب اليهودي...أرض إسرائيل هي جزء من جوهر وجودنا القومي، ومرتبطة بحياة الوجود وبكيانه الداخلي ارتباطاً عضوياً، ....لا يستطيع اليهودي أن يكون مخلصاً صادقاً في أفكاره وعواطفه وخيالاته في أرض الشتات كما يكون في أرض إسرائيل، فالوحي المقدس بأي درجة كان، يكون نقياً فقط في أرض إسرائيل، بينما يكون في خارجها مشوشاً ملوثاً وغير نقي).

إن هكذا تعاليم حاخامية هي التي صنعت التاريخ الشعبي لليهود، التاريخ الذي تربى عليه الوعي اليهودي، وأثر حتى على وعي السياسي الإسرائيلي، فلا نندهش عندما قال السيد إسحاق رابين موضحاً قيمة مولده في القدس (عندما اقترب موعد الولادة انتقلت والدتي إلى القدس، بالقرب من عائلتها، إذن لقد صرخت..صرخت ليكون ظهوري الأول في القدس).

هذا الفرق بين العرب واليهود، دلالة الأرض، فبينما يرى العرب فلسطين مجرد تراث تاريخي يجب أن يظل ملك العرب، يرى اليهود أن فلسطين هي الطريق إلى إسرائيل الدين والتاريخ والسياسة والسيطرة، ونرى الفارق واضحاً من خلال مفاوضات السلام.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5703» ثم أرسلها إلى الكود 82244

- جدة seham_h_a@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة