Culture Magazine Monday  03/12/2007 G Issue 225
تشكيل
الأثنين 23 ,ذو القعدة 1428   العدد  225
 
قصة قصيرة
حب لا يعرف حدوداً
شمس علي

 

 

كتمت شهقتها في عيادة الطبيب وهو يخبرهما الخبر المشئوم قائلاًً:

- لا أمل في شفائه فقد تمكَّن منه المرض اللعين، خذاه إلى البيت ليقضي أيامه الأخيرة بينكما والتي لا أظن أنها ستتجاوز الشهر.. حملق فيها زوجها الجالس قبالتها بعينين جاحظتين ترقرق فيهما الدمع وارتخت ذراعاه الحاملتان للطفل ذي السنوات الخمس.. قامت لتختطفه من بين ذراعيه وتهرول بعيداً خارج المستشفى عندما لحق بها كان وشاحها قد انفرط وحقيبتها قد عانقت الأرض وهي تنحني منتحبة على طفلها.

كورقة خريفية غدت، فرغم إيمانها أعجزها تصور فقد ابنها الوحيد.. تصرّمت الأيام حبلى بالهموم.. لتأتي الليلة الأخيرة التي حدس بها الطبيب بعد أن ذاق طفلهما الأمرين.

يخيل إليهما في كل لحظة من لحظات تلك الليلة أن ولدها سيلفظ أنفاسه الأخيرة.. تلصق أذنها بفمه.. تلفح وجنتها أنفاسه.. تخر على الجسد البالي تشبعه لثماً وتقبيلاً.. تحشر جسدها معه في الفراش.. تحتضنه.. تتحس رأسه المتصحر بأصابع سمراء نحيلة تمررها على عينيه الغائرتين.. شفتيه الذابلتين.. بشرته الفاقدة الطراوة وتبتهل..

تأملها بعينين ملؤهما الشفقة وأخذ صوته يتهدج:

- وفاء.. ما عهدتك جزعة، عماد ليس سوى أمانة سعدنا بها.. وها هي تسترد..

لم يسمع جواباً.. زمجر بحنق.. أنا لن أحتمل فراقكما معاً.. لم تجبه.. اقترب يتحسس نبضها.. تنفس الصعداء..

- الحمد لله.. نائمة هي.. أطلق زفرة: من يصدق أنها مستيقظة منذ الأمس تقتنص اللحظات من عمر صغيرها!

ها قد أغمي عليها لفرط التعب والحزن، ترى هل ستؤنبي إن تركتها نائمة فربما لن يتسنّى لها وداع ابننا الحبيب.. لكنها قد تموت إن بقيت مستيقظة.. احتار في أمرها، لاحت منه التفاتة لساعة المنبه فوق المنضدة واغرورقت عيناه، تذكر حفلة ذكرى ميلاد طفلة منذ أشهر مضت، كانت كعرس بيهج ضم لفيفاً من الأهل والأصدقاء وحصل فيها الصغير على الكثير من اللعب والهدايا غير أنه لم يتعلق بغير هذه الساعة المصنوعة على شكل سيارة سباق حمراء.. ليلتها قهقه كثيراً مندهشاً من سذاجة الأطفال.

ها هي تلك الساعة تلهث لتقرض عمره، اعترته رغبة بتحطيمها، أمسك عن ذلك ليجرجر قدميه خارجاً من تلك الغرفة المشبعة برائحة الموت.. ألقى بجسده المنهك على الأريكة.. سرعان ما اقتنصه النوم، حين استيقظ مذعوراً على رنين الهاتف عجز عن تقدير الوقت، قلبه الملتاه قاده سريعاً لغرفة الصغير، أبصره متكوراً في حضن أمه كجنين تحسس جبينه.. دافئاً ينبض بالحياة!

صرخ بفرح مجنون.. وفاء.. وفاء.. استيقظ.. عماد ما زال حياً، تلاشت نداءاته في جب السكون ناداها أخرى.. لم يلق جواباً.. بوجل هزّ جسدها النحيل.. واقشعر بدنه!.. فقد كانت باردة كقطعة جليد.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة