Culture Magazine Monday  03/12/2007 G Issue 225
الثالثة
الأثنين 23 ,ذو القعدة 1428   العدد  225
 

لوعلم الجاحظ بحكايته..!
عبدالله محمد الغذامي

 

 

العزيز الدكتور إبراهيم عبدالرحمن التركي..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

رجاء أشكر لي عبدالمحسن الحقيل على مقالته المنشورة عندكم في العدد قبل الماضي، عن الأستاذ عبدالله الفالح، لقد ضربت المقالة في أعمق أعماق ذاكرتي وهي تبعث صورة لرجل لم أره قط، ولكني سمعت عنه على مدى عمري كله، ومنذ صغري وأنا أسمع القصص عن عبقري فذ نادر المثال اسمه عبدالله الفالح، وكأنما يحكون عن الأخفش، ولكن قصصه ما تلبث أن تغيب وتتوارى الكلمات عنه حتى لكأنه لم يعد موجوداً، ثم تأتي وقفة أو تمر كلمة أو تسنح ذكرى فيعود القول عنه والإحالة إليه، وقد تطول فترات هذه الذكريات المتقطعة عنه وتمر سنون حتى تنسى أو تكاد، وكان آخر حديث سمعته عنه جاءني من صديقنا الجليل الأستاذ عبدالعزيز السالم، حيث أشار إليه في مقالة له مثلما حادثني عن ذكريات له معه، وهذا ما فتح أبواب ذاكرتي إلى ما كنت أسمع من قبل وكان مطموراً في أقصى أركان ذاكرتي، ومنها نوادره العلمية في النحو واللغة، وما كان يروى لنا عنه حينما ذهب إلى كلية الشريعة في مكة المكرمة، وكان أن دخل عليهم كطلاب أستاذ أزهري ليدرسهم النحو، وكان من سوء حظ هذا الشيخ الأزهري أن وقع على طالب هو مرجع في النحو، وكان درس النحو عن أدوات الجزم وكونها لا تدخل على الفعل الماضي، وهو درس يبعث الملل على فتى حفظ الألفية وشروحها على يد شيخه عبدالرحمن السعدي قبل أن يجلس أمام ذلك الأستاذ في كلية، كان يتوقع أن يجد فيها علماً أكثر تبحراً وعمقاً من مجرد درس عن الجوازم، وهنا رفع الطالب عبدالله الفالح يده معترضاً على الأستاذ الأزهري وقال له: إن أدوات الجزم تدخل على الفعل الماضي، وورد ذلك في ألفية ابن معطي، وفيها يقول:

وجوزوا دخول (لم) على المضي

كلم رأى ولم أتى ولم رضي

وهنا بهت الشيخ الأزهري واستسلم لقول الطالب وما درى أن عبدالله الفالح قد ألف البيت للتو وارتجله ولم يكن هناك شيء عن ذلك لا في ألفية ابن معطي ولا في سواها، ولكنه أراد أن يلمح للأستاذ أنه يتوجب عليه أن يرتفع بمستوى الدرس إلى قضايا علمية أكبر وأدق.

تلك قصة كنا نسمعها من أساتذتنا في المعهد العلمي بعنيزة وهي مع مثيلات لها كانت تعمر أخيلتنا بصورة بهية عن جيل سبقنا وكانت لهم سماتهم العلمية البارزة وكان حظنا كبيراً إذ تتلمذنا على أيديهم وعرفنا منهم قصص زمالاتهم وقصص كفاحاتهم، ومثلما أخذنا من علمهم فقد أخذنا من ذكرياتهم.. شكراً للجزيرة الثقافية وشكراً لعبدالمحسن الحقيل الذي بعث في ذاكرتي حكاية لو علم بها الجاحظ لجعل منها مدونة تروى أبد الدهر.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة