Culture Magazine Monday  10/09/2007 G Issue 215
عدد خاص
الأثنين 28 ,شعبان 1428   العدد  215
 
رفيق طفولتنا
مانيا مسعود معروف

 

 

سسليمان العيسى.. رفيق طفولتنا كما أحب أن أسميه وشاعرنا الجميل الذي خربش على دفاتر ذاكرتنا النقية الغضة في يوم ما وكبرت الذاكرة والأطفال وبقيت الخربشة عالقة على جذران أرواحنا وقلوبنا لأنها صادقة وعفوية.. لامستنا كلماته البسيطة والعميقة فحفظناها أناشيد وقصائد وعالماً متخيلاً من الصور والألوان التي يحفل بها كل ما حولنا.. لا زلت اذكر الكثير الكثير منها؛ لأنها حملت أمانينا وخطواتنا الصغيرة نحو الغد لنسابق الزمن. سليمان العيسى شاعر استلهم الكثير من شعره من الحياة والواقع من قضايا الوطن العربي الكبير وهمومه الكبرى هموم سيجت مشاعره وأحلامه لينطلق من خلالها في أرجاء الوطن يجمعه ويوحده بالكلمة.

لن أتحدث عنه كثيراً كشاعر؛ لأن شعره انطلق في فضاءات وطننا الكبير وحط كفراشات الزهر على مقاعد أطفالنا في أرجاء الوطن وبالتالي كان شعره موحداً لأحاسيس ومشاعر وأحلام هؤلاء الأطفال. شعره غازل الكثير من الجمال حوله.. وأينما حط رحاله كان يغازل الأماكن والطبيعة الساحرة وما يحفل به البلد الذي يزوره.. مليئاً بالجمال الذي يفيض كلمات رقيقة رقراقة منسابة كجدول ماء؟

كما قلت سابقاً كان - رفيق طفولتنا - ولكن حين كبرت كانت تأتيني بعض أناشيده في لحظات هاربة نحو الطفولة فأردد باللاشعور تلك الأناشيد التي كان يحتويها مقررنا الدراسي في المرحلة الابتدائية وإذ بهذه الأناشيد تستحضر المعلمة والأصدقاء ورفيقتي في المقعد فتدمع عيني على تلك الأيام الجميلة. لم يخطر في بالي يوماً أني سأقابل -سليمان العيسى- ويصبح صديقاً وأستاذاً معلماً لي الكثير من المبادئ في فن الكلمة وكان أن التقيته وأجريت معه حواراً مطولاً عن حياته وشعره وذكرياته.

لقاءً سعيت لأجله شهراً كاملاً كانت مثابرتي عليه كالنحل في جني العسل.. وكلما ازداد رفض شاعرنا الجميل للقاء بحكم أنه متعب ولم يجر لقاءات صحفية منذ زمن كنت أزداد إصراراً على اللقاء به والإطلال على الناس، وكانت التساؤلات بعد نشر هذا الحوار من الكثيرين.. أين التقيته وكيف؟ هل هو هنا في دمشق أم سافرت إليه؟! هل هو قريبك..؟؟ وكنت في قرارة نفسي أجيب.. إنه الوفاء للطفولة وقدرة سليمان العيسى على التماهي والصدق معها هما اللذان أوصلاني إليه وذاكرتي المتقدة والنابضة بأناشيده حتى الآن هي من دلني على مكانه، بقيت الذاكرة وفية لشعره وكلماته وأشّبه هذه الحالة بما تأخذه من حيز حكايا الجدات في ذاكرتنا وتبقى الحكاية والجدة هما الرابط الأقوى بالطفولة.

أجل سليمان العيسى قريب طفولتنا وعمها وخالها وجدها الحنون أيضاً..سأتحدث عن سليمان العيسى الإنسان الذي لا تفارق الابتسامة محيّاه فارتسمت على وجهه الثمانيني كل ملامح الطفولة النابعة من نقاء القلب الذي رسم على مدى الأيام الفرح لأطفال وطنه..يفتح لك باب بيته كما يفتح قلبه لمن يحبهم ويحبونه بحديثه العذب وذكرياته عن الناس والأصدقاء والأماكن التي زارها كلها تضعك أمام إنسان يفيض بالوفاء لكل هؤلاء الذين تقرؤهم في شعره..وأكاد أجزم بأنه ما من أحد قابله سليمان العيسى إلا وكتب عنه أو له مقطعاً شعرياً وترى ذلك جلياً حين تقرأ تحت عنوان القصيدة أو المقطع الشعري الذي كتبه إلى فلان.. أو إلى الطفلة الجميلة.. إلى صديق أو إلى جبل.. أو بحر.. أو سهل.. أو واد..مكان..زمان.. شخوص.. تحفل بها مملكة سليمان العيسى الشعرية وقد كنت ممن كرمهم بالكتابة من خلال مقطعين شعريين جميلين بعنوان (سؤال وتهمة) و (مانيا ودفاتري القديمة) في ديوان يحمل عنوان (همسات ريشة متعبة) وهو قيد الطبع.

شكراً سليمان العيسى على الكلمات تلك وتكريمي بها. شكرا سليمان العيسى وأقول لك: يمتعني فنجان القهوة الذي احتسيه معك والدكتورة ملكة أبيض-رفيقة الدرب.

شكراً لأنك خربشت على حيطان الذاكرة لتبقى متقدة.

دمشق


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة