Culture Magazine Monday  12/11/2007 G Issue 222
فضاءات
الأثنين 2 ,ذو القعدة 1428   العدد  222
 

ترجمة الشعر
عندما يترجم مَنْ ليس شاعراً شعراً لكبار الشعراء في العالم «1»
عبد المحسن يوسف

 

 

يحدث أحياناً - فيما نطالع قصائد مترجمةً إلى العربية لشاعرٍ عالميٍّ كبير، ذي صيتٍ عظيم، وسطوة إعلامية هائلة - أن نكفَّ عن تلاوة تلك القصائد فجأةً، وإِنْ تسلحنا بالصبر وأكملنا المشروع القرائي هذا، فإننا قد نخرج مضرجين بانطباعٍ سيئ عن التجربة الشعرية لذلك الشاعر، وقد يحدث هذا تحديدًا عند المطالعة الأولى لتلك التجربة التي لم نُؤتَ حظًّا للإحاطة بها إحاطةً كاملةً عبر تجلياتها المتنوعة، وعبر أكثر من قناةٍ للترجمة وأكثر من حبرٍ يقدمها لنا.. وقد يتجلى هذا بوضوح عند المتلقي الذي لا يزال في بدء مرحلةٍ ما من التلقي ويريد بمطالعةِ ما أنجزه شعراء (الضفاف الأخرى) أن يثري تجربته ويجعلها أكثر غنىً وعُمقًا..

* نعم، قد نخرج - كما قد يخرج المتلقي في بدايات التلقي الأولى - وفي الشفاه سربٌ من الأسئلة الصاخبة والمتشككة والمجللة بالخيبة من نوع (ما هذا الشعر؟!)، أو (ما هذه القصائد التي لا طعم ولا رائحة ولا لون لها!!)، وقد يستبدُّ الغضبُ ويهيمن السخط لنسمع صوتًا ينهمر كانهيار مبنى ضخم: (ما هذا الهراء؟).

* وربما يتسرع أحدنا ليتهم قصيدة الشاعر (الأجنبي) الكبير بتهمة التردي ونأيها عن ينابيع الجمال وعن ضفاف الدهشة الفاتنة والإبداع الحقيقي! بل إنه قد يذهب إلى أبعد من هذا، ناظرًا إلى هؤلاء الشعراء العالميين الكبار على أنهم محض (بالونات) تتولى مهمة النفخ فيها جهاتٌ مريبة أو (أجهزة) ذات أجندة معينة وأهداف محددة.. كل ذلك وسواه قد يحدث عندما نقرأ تجربةً شعرية لشاعرٍ عالميٍّ تمت ترجمتها إلى لغة الضاد، متوهمين أنها تجربة شعرية تافهة، فيما الحقيقة تكمن في (الترجمة) نفسها، أو في (المترجم) الذي قام بنقل تلك النصوص إلى لغتنا نقلاً رديئًا، معتمدًا ترجمةً حرفيةً لم تستطع الإحاطة بجمالياتها وأسرارها الإبداعية العميقة ومناخاتها التي قصُرَتْ أدواته عن القبض على أهم ما فيها من تجليات مدهشة.

* هذا ما يحدث دائمًا؛ إذ يرتكبُ بعضُ المترجمين (وكثيرون هم الذين يتوهمون أنهم مترجمون بارعون!!) جنايةً حقيقيةً في حقِّ النص الشعري العالمي الذي يتصدون لمهمة ترجمته، فيما هم يقدمون لنا - نحن معشر القراء - صورة مشوهة عن صاحب ذلك النص وعن تجربته بمجملها وعن كل ما قيل عنه وما يُقال من دون أن يفطنوا إلى خطورة ما يقترفون!!

* صحيح أن ثمة مترجمين عرباً يتقنون لغة (الآخر) إتقانًا تامًّا، ولكنهم يفتقرون لجمرة الإبداع ولا يملكون سعير الروح المبدعة، ويغيب عن أعماقهم ذلك الوهج الخاص الذي لو تحلوا به لأضفى على (ترجماتهم) وهجًا عاليًا وبهاءً عريضًا وقوة َجذبٍ خاصة، ولكنَّ الحقيقة هي أنهم لا يقبضون على شموس الإبداع في أرواحهم، فتأتي ترجماتهم باردة كالثلج، جامدة كالحجارة، ومنطفئة كالرماد.. فلا يستجيب لها المتلقي..

* ولكي لا يكون كلامي هذا مجرد انطباعات ساذجة أو مجرد أحكام حادة تتحامل على مترجمين عرب سفكوا ضوء أعينهم فيما هم يقومون بترجمة إبداع (الآخر) سأعمد إلى سَوق بعض الأمثلة مستعينًا ببعض النصوص الشعرية التي ترجمها عدد من هؤلاء المترجمين إلى لغتنا العربية، وتحديداً المترجمين الذين لا يتعاطون كتابة الشعر في لغة (الضاد)، فهؤلاء هم أصحاب حرفةٍ فحسب أو أكاديميون ينظرون إلى الشعر الذي يترجمونه بوصفه نصوصًا حاملة معانٍ محددة وتتحدث عن موضوعات مباشرة فيركزون على هذه الزاوية عندما يترجمون شعرًا أجنبيًا غير عابئين بروح الشعر وشراراته ونيرانه المقدسة، فتخرج تلك النصوص من بين أصابعهم رماداً لا وهج فيها، ووردًا من دون عطرٍ، بل إنها تبدو كنباتات الزينة بكل ما فيها من زيف وعدم حياة وانتفاء جمال!!

- جدة


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة