Culture Magazine Monday  12/11/2007 G Issue 222
فضاءات
الأثنين 2 ,ذو القعدة 1428   العدد  222
 
قصاصات من ذاكرة حصة «12»
( الوظيفة )
أميرة القحطاني

 

 

تقول صديقتي حصة:

كان عليّ أن أقاوم هذا العقاب ولكن من ذا الذي سيصغي لموظفة (ملفها الوظيفي مليء بالمخالفات الإدارية) مع إنذار بالفصل؟!

بمعنى آخر كان عليّ السير إلى ( جانب الحيط ) ودون صوت، ولا أخفي عليكم أنني لم أطق العمل لدى امرأة تفتقد الأخلاق. هذا الأمر كان يقتلني مما دفعني وفي محاولة يائسة إلى زيارة مدير الموارد البشرية ظنا مني بأنه إنسان:

- أرجوك يا أستاذ عبدالله أود الانتقال إلى إدارة أخرى لا أستطيع العمل لدى هذه المرأة.

ابتسم ابتسامة باهتة، وأجاب على الفور: أوكيه كما تشائين!

أدهشتني موافقته الفورية وكأنه كان ينتظر مني هذه الزيارة. وبسرعة تبددت هذه الدهشة حين جاء قرار نقلي إلى إدارة يوسف زادة!! نعم أرادوا قتلي بهذا النقل؛ فيوسف زادة ينتظر هذا الأمر على أحر من الجمر ليرد اعتباره كما أنهم - المديرون - كانوا يخططون لهذا النقل وقد جاءهم على طبق من ذهب.

- أهلا أهلا شرفتينا!

كالشتيمة خرجت هذه الكلمات من بين شفتي يوسف وقبل أن أعقب على هذا الترحيب المبطن بالشماتة أضاف: ستعملين سكرتيرة لديّ!

أجبته وأنا أضحك: هذه من (عجائب القدر) يا أستاذ يوسف، لكن لا بأس سأعمل لديك سكرتيرة!

- ستكونين مسؤولة عن خزينة الإدارة.

استوقفتني هذه الثقة، لكنني سايرته: وكم بها؟

- من العشرين إلى الثلاثين ألف.

- بسيطة.

طارق طاهري وعدنان مهدي كانا صديقي يوسف زادة وحاولا طوال فترة عملي لديه استفزازي بشتى الطرق وقد وصل بهما الأمر مع زادة إلى محاولة المساس بسمعتي. هذه الأخبار كانت تملأ الدائرة ولم يفكر أحد بالتدخل في هذا الأمر. الكل كان يتفرج، كما أن بُعد أحمد عن مكان عملي وخوفي من أن أسبب له إشكاليات جعلني أحجم عن إخباره بوضعي المتردي إلا أن سالم زميلي السابق في الإدارة تدخل في الوقت المناسب وهددهم علانية أمام الموظفين بتحطيم أسنانهم واحداً تلو الآخر إن لم يكفوا عن مضايقتي، وقد أخذوا تهديده على محمل الجد، خصوصاً أنه من رواد صالات الملاكمة، كما أن له سوابق عديدة في هذه الأمور يعرفها الجميع.

كان موقفاً نبيلاً منه أحسست بأنه الرجل الوحيد في هذه الدائرة. حقيقة أصبحنا في زمن شحت به الشهامة وأصبحت من الحكايات الخيالية التي تُحكى قبل النوم أو تصوّر في أفلام الكارتون.

بعد خمسة أشهر من العمل لدى زادة وجدت نفسي متهمة رسمياً باختلاس خزانة الإدارة، وبغض النظر عن ردة فعلي أو فعل موظفي الدائرة على هذا الأمر فإن هذه القضية تم تدبيرها لي لأسباب أهمها تحطيمي وإثبات عدم نزاهتي (للشيخ)، وثانياً للتخلص مني، وذلك عن طريق فصلي من العمل.

ليس من السهل أن يتهم الإنسان بالسرقة. هذه القضية ستنهي مستقبلي بكامله؛ سأصبح في نظر الناس (حرامية)، وفي نظر عائلتي فتاة طائشة مجنونة غير جديرة بالثقة.

- انجدني يا أحمد شو أعمل؟

- اعقدي معهم صفقة بأن تعيدي المبلغ إلى الخزنة وتقدمي استقالتك مقابل تبرئتك من هذه التهمة.

- أنا لم أسرق المبلغ لأعيده.

- أعلم أعلم، لكن لا يوجد حل آخر. هم يريدون تلطيخ سمعتك وتحويلك إلى لجنة تأديب، وهذه اللجنة غالباً ستقضي بفصلك.

- سأرفع عليهم قضية.

- أولاً المحاكم لا تقبل بقضايا الدوائر الحكومية. ثانياً هذا المبلغ كان في عهدتك واختفى بمعنى آخر تم تفصيل التهمة عليك وجاءت كما أرادوا تماماً.

- وإذا لم يقبلوا بعقد صفقة معي.

- سيقبلون.. هم الآن خائفون من أن تتدخل عائلتك في القضية وتقلب السحر على الساحر.

- وكيف عرفت؟!

- الأمر لا يحتاج إلى معرفة.. هؤلاء جبناء وعائلتك لديها نفوذ وهم يعلمون هذا تماماً, وعلى العموم أنا سمعت ذلك من بعض الأصدقاء.

- ولماذا لا يتراجعون عن القضية إذا كان الأمر هكذا؟

- لا، لا، لا يمكن أن يحدث هذا التراجع، فهذه ترتيبات جاءت بالاتفاق مع الإدارة العليا وهدفها الأساسي هو (استقالتك).

- إذن تنصحني بالاستقالة؟

- بشرط أن تأخذي منهم موافقة خطية على إنهاء القضية لصالحك.

اتفقت مع يوسف زادة على الاستقالة مقابل التنازل عن القضية، وبعد مفاوضات دامت أسبوعاً كتبت استقالتي:

السيد يوسف زادة المحترم

أتقدم باستقالتي من الدائرة الموقرة، وذلك لأسباب شخصية، راجية من سيادتكم التكرم بالموافقة.

مع فائق التقدير والاحترام.

حصة حمد آل ياس

وقعت الاستقالة ووضعتها على جنب. سحبت إحدى الجرائد اليومية التي كانت ملقاة على طرف طاولتي.. لفت نظري خبر صغير جاء في الصفحة الأولى:

تجمع حوالي ثلاثة آلاف إيراني الأحد في ملعب كرة القدم بدبي حيث استقبلوا رئيسهم محمود أحمدي نجاد الذي يزور دولة الإمارات العربية المتحدة بصيحات (الطاقة النووية من حقنا). ورد نجاد على الحاضرين بالقول: (إن شاء الله). وقد رفع بعضهم لافتات سوداء رسمت عليها دائرة صفراء وهي ترمز لدى لإيرانيين عن الطاقة النووية.

دبي amerahj@yahoo.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة