Culture Magazine Monday  12/11/2007 G Issue 222
فضاءات
الأثنين 2 ,ذو القعدة 1428   العدد  222
 

صدى الإبداع
الرواية وتحولات المجتمع في المملكة (5)
د. سلطان سعد القحطاني

 

 

كان العقد الأخير من القرن العشرين البوابة الكبيرة التي انطلقت منها الكتابات الروائية المعدة سلفاً، بنوع جديد من السرد، وبأسلوب لم يعهد في الرواية العربية على وجه العموم، فصدرت روايات المذكرات والذكريات، ومخزون الذاكرة، والبوح بأسرار لم تكن مجهولة، وتوسع الكتاب في تعدي الخطوط الحمراء الرقابية، وصنعوا فناً جديداً ولم يصنعهم الفن، فأغلب ما ظهر في أواخر القرن العشرين مصنوع، فالفنان الحقيقي لا يصنع الفن ، بل يصنعه الفن، وتسيره الفكرة في تسلسل روائي، وقد تنبه النقاد والدارسون والمنظرون للرواية العالمية إلى هذه الجزئية المهمة في بناء الرواية العالمية، واتفقوا على أن الروائي الحقيقي هو من يكتب وليس في ذهنه أكثر من الفكرة التي سيكتب عنها، أما باقي النسيج الروائي فيصنع من نفسه جسماً متكاملاً هو الرواية في النهاية(18)؛ولأن الرواية هي الفن المتسيد في المشهد الثقافي، فقد أراد هؤلاء إيصال أفكارهم إلى المتلقي عن طريقها، فهم معروفون(شعراء ومفكرون، وصحافيون وكتاب قصة قصيرة) ولم يعرفوا كتاب فن سردي طويل النفس، من قبل هذه التجربة، لذلك لن نناقش رواياتهم(المنقولة وليست المبدَعة) من حيث اللغة والبناء الفني؛ كما أن هناك فئة أخرى ظهرت بالذكريات من جانب آخر، من جانب فلسفة الواقع المتحول من طور إلى آخر، وخانتهم اللغة الروائية قبل كل شيء(19)، ولعل ظهور هذا اللون من الرواية- أياً كانت فنيتها- يعبر عن تحول في المجتمع نحو المصارحة، ونفي المقولات التي تمثل المجتمع الملائكي، أو المدينة الفاضلة التي تخيلها أفلاطون، وإن كان هذا الفعل لا يخفى على المتلقي من قبل، إلا أن هذه الصياغات تحتاج منا إلى تغليف محكم في نسيج روائي، من متمكن في السرد الروائي، وظهر فيما بعد هذه الكوكبة كتاب استطاعوا- إلى حد ما- أن يعالجوا هذه القضية الأزلية في مجتمع محافظ، يدعي معظم أفراده الفضائل، يحرسها البعض في الظاهر-،ويمارس فيه كل ما يمكن أن يُمارَس في خارجه(20)، وتحولات المجتمع من طور إلى آخر لها دواعيها وأسبابها، فمنذ أن دخل البث الفضائي كل منزل، وكثر السفر والاطلاع وأخذ الكتاب والمفكرون والنقاد في الصراع مع الجهات الأخرى حول التقدم ومسايرة الآخرين، مع البقاء على العادات والمثل، الدينية والعقدية، والعادات الاجتماعية...، صار معظم الناس ناقداً لما كان يصدق به، وأن الخوف من أفكار المثقفين لم يعد له مبرر، فقد ثبت التخريب ممن كان يضع فيهم ثقته؛ ولم تعد الرواية في هذه المرحلة تتخفى خلف الأقنعة في غموض يصعب فك مغاليقه، يتخذ فيه الكاتب مسارب مظلمة في بحر لجي،(ظلمات بعضها فوق بعض) مثلما فعلت رجاء عالم في رواياتها الأولى- إن جاز التعبير أن تسمى روايات- (4صفر) على سبيل المثال، حتى وإن حازت على الجائزة الأولى من المعهد العربي في إسبانيا، في مسابقة ابن طفيل، فما تلاها من روايات صارت أكثر وضوحا ومصارحة ونضجا، حتى عند الكاتبة نفسها(21) ويبدو التحول في المكان كمكون سردي في كثير من الروايات ذات البعد الثقافي بين القديم والجديد، كشاهد على العصر، يتضح ذلك من روايات عبد العزيز مشري، التي عالج فيها الماضي والحاضر، كتحول حكمت به الظروف التاريخية الاجتماعية(22)، يقول شكري عياد: (الروائي شاهد على عصره، وأخطر ما في شهادته هو ما يستخلص من عمله الفني دون تعمد منه للمشاركة في الأحداث المحيطة به بوصفه مفكراً سياسياً أو اجتماعياً) (23)، وصار الاهتمام بالمكان وعلاقته بالإنسان، من مكونات العمل الروائي في هذه المرحلة، بصورة تختلف عن الصور التي صُوِّر بها في الأعمال السابقة على هذه المرحلة(24)وقد عمد كثير من الكتاب إلى تحولات المكان بنوعيه(العام والخاص) فالعام يعني تحول أبناء الريف والبوادي إلى المدن، والخاص تحول أبناء المدن إلى أحياء متفرقة، بعد أن كان يضمهم مكان واحد(25)، وقد تتداخل بعض التحولات في عمل واحد، يشمل تحولات المرأة من الأمية إلى التعلم، ويتعدى ذلك على قيادة السيارة، وحقوق الإنسان في التجارة، وأمور أخرى يربط الروائي بينها؛ ولم تعد قضية علاقة الرجل بالمرأة ذلك الهم الذي يشغل الروائي في هذه المرحلة، فقد تعدتها المرحلة بكثير، وصارت قضية الوافد الأجنبي وتأثيره على الثقافة في تحولاتها الكبيرة تشغل بال بعض الروائيين، كقضية وطنية، وفقدان هوية، وضياع اقتصاد(26)، ولعل المتابع لهذه الحركة الروائية في السنة الأخيرة(2006) يلاحظ الكم الهائل الذي صدر باسم الرواية، وأغلبها ليس له من الرواية ألا اسمها فقط(27)، وهذه- من وجهة نظري- حالة طبيعية في ظروف مثل هذا الظرف التاريخي للرواية، كتاب العصر، إن جاز لنا هذا التعبير.

****

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5703» ثم أرسلها إلى الكود 82244

- الرياض


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة