Culture Magazine Monday  12/11/2007 G Issue 222
نصوص
الأثنين 2 ,ذو القعدة 1428   العدد  222
 
عبد الله الرشود بين (عيناها وكوب قهوة)
إيغال في الشعرية وتعمق لمشهدية الوصف الخاطفة في الديوان مزاوجة بين القصة والشعر واللوحة
عبدالحفيظ الشمري

 

 

الديوان الرشيق هو نعت قد نطلقه على أحدث إصدارات الشاعر عبد الله الرشود الذي وسمه بعنوان: (عيناها وكوب قهوة) لأن الشاعر الرشود قطع على نفسه فيما يبدو عهداً أن لا يغرق في الوصفيات الشعرية الفضفاضة، أو الشروحات الإنشائية المطولة، إنما ظل وفياً للاقتضاب غير المخل، وللإلماحات الوجدانية ذات الإيقاع الشعري السريع، على نحو قصيدته (الراوية) التي استهل فيها الديوان فكانت إشارته في البدء على هيئة حنين لاعج للأنثى النموذج تلك التي تسكن وجدانه، وتركض في أوردته كدفء دماء يضخها القلب المفعم بالوجد الهائم.

(اسمعيني.. إنني أعزف

كالطير الجريح.. اقرأيني

واطربي عشقاً)

... (الديوان ص 12)

ففي القصيدة الأولى فاتحة على الهمّ الإنساني الذي يسكن أعماق الشاعر عبد الله الرشود، كما أنه همّ لا يمكن لنا أن نصوره على أنه ذو طابع شخصي إنما هو همّ خاص يتقاطع مع العام، فهموم الشاعر على لسان رواة قصائده لا يمكن أن تكون للقائل فحسب إنما يشترك فيها مع كل من حوله من البشر.

يظهر الخطاب في القصيدة الثانية (الطريق إلى رما) موجهاً أيضاً للأنثى، لكنه خطاب أشد تعمقاً في رسم المشهد الإنساني على نحو ما انتقاه الشاعر الرشود من لوحات عالمية وضع فيها البياض، والمرأة والمطر والمظلة والشتاء مادة شعرية ملهمة لوجدانه.

فيجدر بنا أن نشير هنا إلى أن الشاعر يورد في مقدمة كل قصيدة من قصائد الديوان لوحة فنية معبرة تكون مدخلاً استجلائياً لمراد قد يتمثل في عرض أكبر قدر من الوصفيات المعبرة جمالياً في ظل هذا التمازج الوجداني بين اللوحة والقصيدة، فاللوحة هنا تطل بمباهجها المنتقاة والمحددة سلفاً.. أما القصيدة فإنها تأتي مباغتة وموغلة في رسم مشاهدها الخاصة.

فالشاعر الرشود ومن خلال ديوانه هذا يؤكد رغبته في امتزاج المشاعر الجمالية بالخطوط الملونة للوحات الديوان المنتقاة من أجل الوصول إلى غاية واحدة تتمثل في لفت انتباه القارىء إلى هذا التعاضد بين (المرأة والحب) و(اللوحة والقصيدة) في دلالات إيحائية معبرة عن التوق لاكتمال منظومة الحسن في القصيدة المتمثل في حضور (المرأة) الرامزة إلى حياة أفضل، وواقع أجمل، وخيال أرحب.. فالشاعر له ما ليس لغيره حينما يقول الكثير الشعر ولا يفعل إلا القليل؛ فهي سمة الشعراء الذين يلونون أفق الحياة وفق رؤاهم الوجدانية، ويمتاحون من معين حبهم للبهاء والجمال وهذا ما تشي به قصائد ديوان (عيناها.. وكوب قهوة) بشكل عام، وإن اختلفت بعض المويجات الشعرية عن التحرك في نهر الشعر.

إضافة إلى ذلك فإن الشاعر الرشود يعتمد على الومضة التصويرية الخاطفة، لنراه وقد عني كثيراً ومن خلال ديوانه في المزاوجة بين محاور ثلاثة: (القصة والشعر واللوحة)..

ففي الأولى تبرز الحكاية الوجدانية كاملة غير منقوصة في جل القصائد.. أما الشعر فإنه المنهج الذي تتكىء عليه الرؤى وهو منهج استدراري يستميل القارىء نحو جهة ما من العلاقة بين الشاعر وحبيبته التي تغيب عن المشهد، فهو خطاب إفصاحي يركن إلى سبر أغوار العاطفة، وفي اللوحة - كما أسلفنا - مدخل جمالي آخر على كل قصيدة يوردها الشاعر على أسماع قرائه الذين أيقنوا حقيقة بأن (الرشود) يمتلك مفردة شعرية مميزة وحساً فنياً راقياً ودربة في اقتناص المشهد الحكائي النابض بالحياة.

وإلى جانب هذا البوح الشعري الراعف بالحب فإن الشاعر تسكنه هواجس إنسانية أخرى:

(صرت أحتال على نفسي

وأزجي

عقرب الساعة

للخلف

لكي أُرجي الزمانا)

(الديوان ص 41)

فالديوان يستحق وقفة أكثر، وتأملاً أشمل لأن كل قصيدة من قصائده تحمل رؤية إنسانية هائلة تؤول إلى دلالات أخرى، إلا أن الشاعر الرشود برع في تكثيفها ونقلها إلى القارىء على هيئة ومضات شعرية معبرة، فالديوان حقيقة يكتظ بالعديد من الصور التي تستحق التأمل مرة بعد أخرى.

إيماءة:

* عيناها.. وكوب قهوة (ديوان)

* عبد الله الرشود

* الرياض (ط1) 1428هـ

*****

لإبداء الرأي حول هذه المطالعة، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5217» ثم أرسلها إلى الكود 82244

hrbda2000@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة