Culture Magazine Monday  13/08/2007 G Issue 211
قضايا
الأثنين 30 ,رجب 1428   العدد  211
 
حر الصيف والحالة المزاجية للأدباء
الجارالله: الصيف حالة جميلة وخاصة

 

 

متابعة - فوزية الشدادي الحربي:

لكل أديب وصفته التي يظن أنها تجلب له الوحي وتفتق القريحة. ومهما تحدث الكتاب عن بساطتهم واستسلامهم للكتابة بطيب خاطر، تكتشف في النهاية أن الأديب يعيش في كنف عادات أدمنها، وشروط أحاط نفسه بها وجعلها إشارات مرور لا تنتظم حياته من دونها. فهذا يكتب في الفجر وذاك ينتظر منتصف الليل وآخر يتبع حمية غذائية، وغيره يسبق الكتابة بقراءات تحفيزية. ولا تستغرب أن تتحدث الأديبة المصرية سكينة فؤاد عن ارتباط كتابتها بوجود الماء، فهي في حاجة ماسة للبحر أو النهر أو على الأقل الخضرة لتتفتق لها الأفكار وتتدفق. ولو نبّشت في سير الكتاب لقرأت العجب العجاب في غرائب الطقوس وطريفها. فتجد مثلاً من لا يأتيه الوحي إلا تحت (الدوش) وبعد تناوب الماء الحار والبارد بقسوة على جسده، وتلتقي بمن لا يكتب إلا ووجهه إلى الباب، ومن تستعصي عليه الكتابة أن لم يتأكد من وجود عشرات الأقلام في حوزته مخافة جفاف مفاجئ للحبر يقطع سيل الكلام من المخيلة. لكنك في النهاية تستنتج أن العزلة هي الطقس الذي يجمع هؤلاء جميعاً ومعها الخوف. وقد عرف عن الروائي الفرنسي مارسيل بروست انه لا يستطيع الكتابة إلا عند دخوله غرفته ليلاً حيث الصمت والجدران المغلفة بالفلين مانع تسلل ذيول الصخب الذي ترمي به شوارع باريس, في حين اعتادت جورج أليوت الكتابة في صالة البيت التي تعج بحركات أبناء شقيقتها: بأصواتهم وعبثهم ونزقهم. وإذا كان (كيتس) يتوه خيلاءً وتعبيراً وامتلاء قريحة في أجواء الصيف فيصنع في مشغله الذاتي روائع الرومانس في حومة الشعر فان صديقة (شيللي) لا يمكن الا أن يبدع نصوصه المضمخة بعبق الفنتازية على حفيف الورق المتهاطل من الأشجار العملاقة على أرض الغابة وأرصفة الطرقات في فصل اسمه الخريف. كذلك أفشى آرنست هيمنغواي عن طقوس الكتابة التي لا يأتيها إلاّ وهو يتهندم بكامل أناقته. والكاتب النرويجي (آيسن) لا يكتب إلا إذا وضع أمامه مجموعة من الصور الصغيرة الضاحكة.. وجونسون.. كان من عاداته قبل أن يبدأ بالكتابة أن يسير في الشارع ويلمس ويعد الأعمدة. ولا يخفى على أحد أن بعض الأدباء الدمشقيين يكتبون في ضجة المقاهي وكأنهم في دنيا أخرى, وبعض الأدباء يكتبون في الحدائق العامة, وعباس محمود العقاد.. لا يكتب إلا وهو مستلقٍ على فراشه والكاتب الصحفي: العراقي عبد الكريم العبيدي يقول: أنا شخصياً أفضل الكتابة في الصباح وأشعر أن أفضل ما أكتبه في وقت الظهيرة.. أحب الكتابة في الصيف ولا أميل لها كثيرا في الشتاء.. أشعر ان الظهيرة في الصيف تحمل معها درجة مثالية للكتابة. خصوصاً حين أتمدد مثل الأطفال على الأرض وأبدأ في الكتابة، أنا لا أميل إلى المنضدة والكرسي (والتيبل لامب) أفضل الاستلقاء والانغمار في الكتابة.. لقد كتبت بهذه الطريقة. وأعتقد أن كل الظروف القديمة والجديدة لا تحد من طريقتي في الكتابة كونها (بدائية) جداً وطبيعة أيضاً. ولا أجد حرجاً لرفض الكتابة على الطابعة وغيرها.. لان متعتي الحقيقية أراها تتجسد في خطوط الحروف التي تمثلني، وتمثل حركة يدي وانحراف قلمي.. يقول الروائي أرسكين كالدويل في تجربته الإبداعية ومن خلال سيرته الذاتية أنه كان يحطب في النهار ويكتب في الليل، لكي يوفر قوت جسده بالحطابة وغذاء روحه بالكتابة. والحديث عن علاقة الكتابة بالزمان أو المكان يقودنا إلى الحديث عن علاقة الكاتب والمبدع عموماً بفصل الصيف، والأمر يحتاج إلى بحث واستطلاع عبر المبدعين أنفسهم ومن خلال تجاربهم الكتابية، وهل لها ارتباط بفصل الصيف حيث الحر الشديد يقول القاص خالد اليوسف في أحد لقاءاته. فصل الصيف في بلادنا غير عادي ولنكن مع أنفسنا أكثر صراحة، من يا ترى لديه الجاهزية والاستعداد لتحمل الحركة خلال هذا الفصل؟؟، ولديه القدرة على تحمل الأمسيات والفعاليات في مدينة تصل درجة الحرارة إلى الخمسين نهارا والثلاثين ليلا؟؟، هذا هو حال الرياض، جدة، الدمام، بريدة، المدينة المنورة... وغيرها، بخلاف سفر كثير من أهلها!! كل كاتب له طقس جنوني مختلف يمارس فيه لذة الكتابة وتحريك الحروف وترقيص الكلمات.. نحن حاورنا كتابنا ومبدعينا لمعرفة حالتهم الكتابية في فصل الصيف وكانت لهم آراء متباينة حول ذلك. القاصة والكاتبة فوزية الجار الله لها جواب رومانسي حول الصيف وذكرياته تقول: للصيف نكهة خاصة وله ذكريات عذبة جميلة منذ الطفولة، فقد أنهيت الكثير من القراءات الهامة في مرحلة الطفولة والمراهقة أثناء الصيف.. على سبيل المثال أتذكر أنني أنهيت (ألف ليلة وليلة) في الإجازة الصيفية الفاصلة بين المرحلة الابتدائية والمرحلة المتوسطة، كذلك أنهيت رواية (رد قلبي) ليوسف السباعي وهي رواية طويلة في الإجازة الصيفية الفاصلة بين الثانية المتوسطة والثالثة المتوسطة.. ترتبط الحالة الإبداعية بالفكر والذاكرة وبالأحداث المحيطة لذا قد لا يكون للطقس ذلك الأثر البالغ إلا أن الصيف حالة جميلة خاصة.. حين أتمتع بإجازة وأتفرغ قليلاً لبعض الإبداع الذي ينفلت مني أحياناً بسبب المشاغل والالتزامات العملية الأخرى والتي لا تخلو الحياة منها بل هي أمر ضروري للتطور والنماء الذاتي.. في كل حالات الفراغ وفي فصل الصيف على وجه الخصوص أحب أن أملأ وقتي بالقراءة المكثفة وإن ساعدتني الظروف على السفر الذي أحبه، أحب أن يكون سفراً ممتعاً مفيداً يثري ذاكرتي ويجدد روحي ولذا أحرص أن يكون الكتاب رفيقي الدائم أينما كنت وحيثما حللت. القاصة حكيمة الحربي تؤكد أن الصيف عندها لا يختلف عن باقي الفصول حيث تقول: ربما لا يختلف الصيف عما سواه، فالمبدع في حالة نشاط ذهني وإبداعي، فعندما تأتيه الفكرة المتوثبة بكل إلحاح فلابد أن ينصاع لها، فهي لا تعترف لا بالزمان ولا بالمكان! ولكن ربما نجد متسعا من الوقت في الصيف بعد التحرر من قيود العمل، وعدم التفرغ لنعطي الكتاب اهتماما أكثر من ذي قبل. وننكب على القراءة المكثفة التي انشغلنا عنها بأمورنا الحياتية اليومية. وختمت حديثها بما تتمنى ان يكون عليه صيف هذا العام تقول: نرجو أن يكون صيفا رائعا كما نتمنى، وأن نصل به ما نقطع، خلال الشهور الفائتة، وأن يكون صيفا هادئا، باسما ،مليئا بما يفرح، ويدخل للفؤاد السرور, لاسيما وقد أصابنا الإحباط والحزن والألم جراء ما أصاب أمتنا من حروب، وخراب، ودمار، وضعف وإذلال!

الشاعرة (قهر يزيد) المشرفة على منتديات نبض المطر: الصيف مختزل كثيرا والعطلة مقصقصة بشكل فادح. بالنسبة لي سأبقى على خط المطر ومتابعة لمنتديات (نبض المطر) وإبداع أعضائها الرائعين. دشنا 3 حملات في المنتدى: (أرحنا بها يا بلال) و(حبيب النبض أبو متعب) و(حملة لا للمخدرات نعم للحياة). أما الكتابة فكثير من مشاريع نبض المطر تنتظر الفراغ ولعل الصيف فرصة لتدشينها والشعر يكتب نفسه في حينه. في مخططي الترحل في بعض المناطق الحبيبة من الوطن الحبيب: الكاتب عبد الواحد اليحيائي: يقول عن حالته الإبداعية في الصيف: في الصيف أتوقع أن أنشغل بالكتابة أكثر من القراءة، أنهيت لتوي فسح مجموعتي القصصية (روتين) من الرقابة - الأعلام، وسأبحث عن ناشر مناسب، وعسى أن أكون قد وصلت إليه مع نشر هذا التحقيق، هذا في بدايات الصيف، ثم سأتفرغ كثيرا لكتابة عمل آخر يشغلني حاليا، وأسعى أن يكون مختلفا عما كتبت. وعسى أن أقدمه بطريقة مناسبة. وعن صيفه كيف يحب أن يقضيه يقول: كالعادة، بين الكتب والأوراق، وأيضا مع الأسرة الصغيرة بين البر والبحر، ومع العائلة ضمن زيارات متقطعة هنا وهناك، وأيضا مع الأصدقاء الباقين في الرياض في مساءات حوارها يدور عن الوطن وقضاياه، والناس وأحوالهم، والثقافة وهمومها.

القاص عبد الإله الأنصاري يقول: لا أعتقد أن الأمر له علاقة بالفصول أو المواسم، فهناك كاتب يخصص وقت في اليوم أو الأسبوع ليكتب فيه، وهناك من يتركها رهن الحالة المزاجية والرغبة، وأعتقد أنني من الصنف الآخر - وإن كنت أطمح للانتساب للصنف الأول - قد أكتب نص في لحظة عابرة قد تداهمني بعد كتابة هذا الرد (من باب التمثيل للحالة)، وأحيانا أثناء قراءتي أتوقف لأسطِّر شيئا، وكذلك مشهد ما يلهمني فكرة كتابة نص، وهكذا. أما بالنسبة لقضاء الصيف، فغالبا المناسبات والزيارات هي من يتحكم في الأمر، من المعلوم أنها قد تتسبب في إلغاء مشروع سفر أو حتى تأجيله، لذا أعتقد أن جميع الخطط مصيرها الفشل، وعليه يتم الرضوخ لسلطة ما سبق، وترك الخطط لما بعد انتهاء الإجازة. الشاعر أحمد الحربي نائب رئيس مجلس الإدارة بنادي جازان الأدبي ينفي أن تربط الحالة الإبداعية عنده بفصل دون آخر فهي من وجهة نظره حاله تحضر وقتما تشاء صيفاً أو شتاء ليلا أو نهارا ويوجز حديثه بالقول: إن المبدع الحقيقي لا يستجدي الإبداع في زمن معين ولا دخل بإبداعه إلى رواق الصنعة، بالنسبة لي أقضي صيفي في ربوع بلادي مصطحبا زوجتي وأطفالي إلى مصايفنا الجميلة التي أعتز بها كثيراً, وأحرص على زيارات المكتبات والأندية الأدبية والمراكز الثقافية التي تقدم برامجها في الصيف.

أما الشاعر والإعلامي الأستاذ عبدالله بن عبد الرحمن الزيد فيقول: أولا: ينبغي أن نفترض سلفا أن هذا السؤال، أو هذا المحور يرد ونحن لا نستطيع الفكاك من الزمان والمكان الذي نعيش فيه، أما إذا كان أي منا يمكنه الفرار من قبضة هذا الفصل العجيب (الصيف) فذلك بحث آخر لا علاقة له بما يرد لاحقاً من نصاعة الحقيقة، وتلويحات الخيال، وربما من تكهنات الأوهام.. ثانياً: ما يتعلق بالحالة الإبداعية، وتوصيفها يأتي بهذا الشكل، إذا كنا ندرك تماماً ونعي، ونؤمن بأن الحالة الإبداعية تتأتى وتنبعث من الذات وتكوناتها وتحولاتها الخالصة فإن ذلك يعني شيئين: الأول: أن الفنان والمبدع لا يستطيع أن يتحكم في حالته الإبداعية بالشكل الذي يشير إليه السؤال.. الثاني: أن (الصيف) أو أي فصل من فصول السنة لا يختص بحالة إبداعية معينة، وإنما الذي يحصل أن الحالة الإبداعية تفرض مضامينها ومحصلاتها وشروطها ونتائجها دون أن تصنع في جدولها تحولات الزمان والمكان والأجواء والفصول. هذا إذا وضعنا في الاهتمام أن (الحالة الإبداعية) خلاصة ذاتية من داخل الفنان.. أما إذا كان المقصود بالحالة الإبداعية تلك المشروعات الثقافية التي يبادر إليها المبدع عن قصد وإرادة بحتة، فإن في إمكاني أن أشير إلى أن لدي مشروعات عدة (مع تحفظي على توفر شروط الإبداع في شخصي المحدود) من تلك المشروعات - مثلاً -

* الإعداد لكتابة جملة من المقالات التحليلية والنقدية .

* النظر والتأمل في مشروع ثقافي يحدد الموقف من مقولة أطلقها أحد الكتبة المنظرين.. مفادها: (أن الشعراء لدينا ليسوا شعراء تجارب وإنما هم كتية نصوص).

* الإعداد لإصدار مجموعة شعرية جديدة.

* التفكير والتخطيط لمشروع ثقافي إعلامي مرئي

ثالثاً: كيف أحب أن أقضي صيفي؟ أحب.. وأود.. وأتوق.. وأتمنى أن أقضي (صيفي) بخاصة وبقية الفصول بعامة في (مكان بارد) والمكان البارد هنا لا علاقة له بالثلج ولا بالصقيع، أي أنه كما يفر من (السعير) هو كذلك يبتعد وينأى عن (الزمهرير).. أقول ذلك ليس من باب التوق والتمنى فقط، وإنما أعني تحديداً أن الإنسان بعامة والفنان بخاصة عندما يجلده (الحر والسعير) أو عندما (يلهمده) السقر والزمهرير فإن في إمكاننا ومن الوارد جداً أن نقول على الفن والإبداع السلام، ولسوف تكون ( الحالة الإبداعية ) بجوانبها على أكف كل العفاريت المتحفزة في سياقات الفناء والانقراض (آه... يا البراد...)


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة