Culture Magazine Monday  13/08/2007 G Issue 211
نصوص
الأثنين 30 ,رجب 1428   العدد  211
 
فهد المصبح في (المعلقة) القصصية:
المصبح يقيم جدلية البقاء للإنسان المناضل في وجه التحولات
عبدالحفيظ الشمري

 

 

القاص فهد المصبح يراهن دائماً على الفن القصصي باعتباره هاجساً إنسانياً نبيلاً يحقق معادلة المتعة والفائدة في أي مقولة قد يتفوه بها الرواة على نحو ما ماجت به ذاكرة المسافر في قصة (صعلكة).. تلك التي استهل فيها مجموعته القصصية الجديدة الموسومة بعنوان (المعلّقة)، لتأتي المتعة على نحو تشويق مُعبِّر في القصة، حيث تدور الأحداث حول شاب يجد نفسه في مواجهة مكابدات يومية جراء تأخره عن موعد حافلة النقل العام، فالتفاصيل التي اصطبغت بمعاناة الشاب أثمرت بُعداً تجذيرياً لأصل حكاية الإنسان مع ما حوله من رؤى تروم دائماً شفق الحقيقة.

أما الفائدة فإنها تتمثل في صياغة أسلوب سردي خاطف، يؤكد قدرة المصبح على استنطاق صمت الأحداث لتنبئ عن ما وراء الأكمة من حالة عصيّة من الأحزان واللواعج التي تلف على فضاء الشخوص في القصص الأخرى.

(المصبح) يقيم جدلية بقاء الإنسان البسيط مناضلاً، صامداً في وجه التحولات الكبيرة والصغيرة.. تلك التي تتمثل في معاندته لمصاعب الحياة والبحث عن اللقمة، والصغيرة المتمثلة في مصادرة حقوقه العاطفية، والمعنوية على نحو فضاء قصة (بقرة الفريج) التي تُشيع ألق الغربة الوجدانية حينما يغيب البطل فجأة عن (سحارته) قرب الخفيس (المكان)، ليخرج (الراوي) عن دوره، ليضيف هماً آخر إلى همومه، متمثلاً في قيامه بدور الرجل في الكتابة على السحارة، وقراءة الرسائل لأم الغائب في فلوات الغربة.. ذلك الذي يزعم أنه يبحث عن زوجة ترتق الفارق بينه وبين هواجسه نحو النساء؛ إذ لا يكف عن تشنيف آذان من حوله بأن لديه الكثير من المغامرات الوردية مع بعضهن، لينسج الراوي الكثير من الحكايات على لسانه الرطب بسيرهن الوردية.

في (معلقة) المصبح القصصية اهتمام واضح في الحكاية الواقعية ليصبح الراوي أكثر هدوءاً في تسجيل مواقفه نحو منعرجات الخطاب الإفصاحي للشخوص المنهمكين في دوزنة الحياة المعاندة على نغمة (بكرى يحلها الحلال)، لنراه وقد أحال هذا الهاجس التسويفي إلى بقعة لا مرئية في جل نصوص المجموعة، فلم يغادر هذا الشعور حكايات الشخوص على نحو مقاطع (امتدادات العطش) حينما يرسم القاص المصبح فرضيات كثيرة تتمحور حول رغبة وردية للخلوص من منغصات الاديلوجيا في قصة (المعلقة)، ومثبطات الروح في قفار نائية في قصة (مشوط)، ورسائل الحيوان للإنسان في قصة (صراع اللبؤات)، وحدة الوعي بالمأساة في قصة (مداهمة)، وآلام مكابدة اللقمة في قصة (حصة للتصحيح)، إلى جانب قصص أخرى تثير في الروح شهوة التأمل لمنعرجات هذه الخصومة بين الواقع والخيال والجمال والقبح، والبساطة والعناء، وما إلى تلك المفارقات التي يبرع المصبح في اقتناصها بأسلوب شيق ينم عن موهبة مميزة، وذاكرة مكتنزة بالحكايات الطريفة، حتى نراه وقد انتخب لنا هذه الإضاءات المتباعدة من سيرة ابن الأرض الكادح.. ذلك الذي تتداخل رؤى بقائه يبن واقع وخيال.

في قصة (ليل شديد الغربة) أهدى فيها القاص المصبح تفاصيلها إلى زميله القاص خالد اليوسف، ليبث الراوي في ثنايا حكايته معاناة أشد من حالة البرد التي يعانيها، فلم يعد البرد سوى باب يقود إلى معاناة أشد وطأة كالغربة، والذكريات الحزينة، والوحدة، وغياب الرفاق في المنافي البعيدة.

تعتمد قصص مجموعة (المعلقة) على عنصر الحكاية المباشرة.. تلك التي تتمتع بالقصر غير المخل، واللغة الهادئة، والأسلوب الشيق؛ إذ لم يعد أمام القارئ إلا مشاهد متوامضة لحكايات لا لبس فيها أو غموض، فالمعلقة وإن جاءت سرداً مقتضياً على نحو ما بثه القاص المصبح حينما رسم تفاصيل العناء الإنساني بكل اقتدار، ليسجل المصبح حضوره الدائم، ونشاطه الدائب في صناعة تجربته المتكاملة في أبعادها الفنية، والإنسانية ليصبح الفن القصصي لديه رسالة هامة يجدر بنا قراءتها واقتفاء أثر شخوصها، وتتبع منعرجات أحداثها التي تعد بحق مميزة وغير مطروقة.

لم ينشغل القاص المصبح كثيراً بأمر اللغة، إلا أنها جاءت في سياقها العفوي المألوف، رغم محاولاته مد جسور التواصل مع الشعرية في قصة (أقلام الخشب)، ليصبح مشغولاً في سرد الحكاية تلو الأخرى بحثاً عن حقيقة بين أنقاض الكلمات.

****

إشارة:

* المعلقة (قصص)

* فهد أحمد المصبح

* (سما) للنشر والتوزيع الدمام 1428هـ

* المجموعة من القطع المتوسط.. تقع في نحو (94 صفحة)

* تعد هذه المجموعة العمل العاشر للمؤلف.

* لوحة الغلاف للفنانة: إيمان آل صخي.

****

لإبداء الرأي حول هذه المطالعة، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5217» ثم أرسلها إلى الكود 82244

hrbda2000@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة