Culture Magazine Monday  13/08/2007 G Issue 211
سرد
الأثنين 30 ,رجب 1428   العدد  211
 
قصص قصيرة
عبدالعزيز الصقعبي

 

 

(1)

فراغ

حديثك جميل ولكن اعذرني لا أستطيع البقاء معك طويلاً، فكما تعرف لدي من الأعمال ما لا أقدر على إنجازها حين أضيع وقتي بالبقاء معك والتحدث إليك، لأنك ولو حاولت إيجاز كلامك فلن تستطيع فذاكرتك مملوءة بأشياء جميلة ومذهلة وتدفع كل شخص يستمع إليك وأنت تقتطع منها جزءاً يسيراً لترويه أن يعلق على ما ستقوله له، وهذا التعليق حتماً سيكون طويلاً لدرجة أنك ستجد بعض المآخذ والملاحظات عليه ستقف عندها وتناقشها وتبين ما بها من عيوب، عندها يتحول حديثكما إلى جدل هذا الجدل يحتاج إلى تأن وهدوء للبحث عن الحقيقة، ومن المؤكد ان هذا لن يصعب عليك مطلقاً فكما أسلفت أنت تملك ذاكرة جيدة وثقافة لم تكن وليدة اليوم والليلة، بل حصيلة سنوات طويلة اطلعت خلالها على عوالم مختلفة وكسبت تجارب متعددة أتمنى لو امتلكها لأمكنني اقتطاع بعض الوقت للتحدث إليك، لأن ذلك كما تعلم يحتاج إلى تجربة طويلة ومهارة خاصة في تنظيم الوقت وتقديم الأهم قبل المهم وهذا ما يجعلني حقيقة اعتذر عن البقاء معك وقتاً أطول لسماعك والتحدث معك لأنني - وعذراً على هذه الصراحة - أعرف أنك مهم ولكن للأسف لا أعرف هل أنت أهم من ذلك الكم المتراكم من الأعمال التي لدي التي مطالب أنا بإنجازها بأسرع وقت أم أن أهمية العمل تتضاءل أمامك.

وصدقني إنها مغامرة سواء تركتك وانصرفت إلى أعمالي لأنجزها أو انني أهملت جميع ما لدي من أعمال لأجل البقاء معك.. أنت.. قل لي.. ما رأيك هل أبقى معك أم أنجز ما لدي من أعمال ؟.. ولكن انتظر إنك تريد أن تستدرجني بالتحدث إليك وعندها ستطوقني بخيوط عشك العنكبوتي وأعرف تماماً أنني أوهن من أن أقطع خيوطها، لذا فرجاء دعني أهرب منك من كل شيء يذكرني بك من هذا الركام الذي أتشبث به لأهرب منك لأنه - وأقولها بكل صدق وصراحة - ليس لدي أي عمل مطالب بتأديته ولكن كل ما في الأمر أنني لا أرغب التحدث إليك.

****

(2)

الباب الموارب

بقدميها العاريتين ترسم (دلع) شغباً طفولياً يعبر أزقة حي منسي، كانت هناك تحلم بعصافير وباقات عطر وحلوى، لم يكن ذلك البيت الطيني الصغير يرغب أن يفصح عن هويته على الرغم من تدثره برداء الفاقة، قيل لها لا تبتعدي كثيراً، خافت أن تنهمك باللعب مع بعض الأطفال فيأتي ذلك الأب الذي رحل ذات يوم، الباب موارب كما تركته.. لا شيء يدعو للقلق ما دامت بالقرب من ذلك الباب، قالت لأطفال يلعبون معها، هل نقدر أن نبتعد قليلاً؟.. من منكم يعرف ماذا هناك؟.. ربما نجد بعض آباءنا يقبعون هناك.. قال طفل ولكنهم رحلوا بعيداً ولا يوجد غير الصمت، قال آخر لن نبتعد كثيراً ولكن لنقترب من هناك ربما نجدهم أو نجد بعض آثارهم.. الباب لا يزال موارباً والقدمان المرحلتان لديهما القدرة على العدو على الرغم من صغرهما، هو الشوق لذلك الأب لأن تقترب من (هناك) تنظر إلى رفقاء اللعب فتتقد رغبة المغامرة.. الحي صغير والزقاق لا يفضي إلى مكان بعيد.. وخطواتهم تتجه إلى هناك.. يبتعدون قليلاً.. تتجه أعينهم صوب البعيد.. هناك أبعد من هناك.. كتل سوداء.. أرعبتهم.. لا يجد فيها أي أب.. يخاف الأطفال.. يهربون.. تتجه (دلع) إلى ذلك الباب الموارب.. تدخل.. تغلقه وتتجه إلى فناء الدار.. يقابلها جدها بجسدها الهزيل قابع في الركن يستمع إلى المذياع وهو يبث أغنية حزينة يردد معها..

(مرينة بيكم حمد، واحنه ابقطار الليل.. واسمعنه دك اكهوة.. وشمينة ريحة هيل)


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة