Culture Magazine Monday  13/08/2007 G Issue 211
سرد
الأثنين 30 ,رجب 1428   العدد  211
 
لا بأس أن تعود المجيدة ماجدة
سعاد السعيد

 

 

خمسة خطوط ودائرة في الوسط وصوت (طع)، صورة مع نغمة أخذتها على قفاي .. في المرة الثانية أحضرتُ قرداً معي قايضته بسيارة سكراب من عامل هندي. نطّ القردُ على النخلة وقذفنا بالتمر، صفَّقوا لي ورفعوا أصابع الإبهام وقالوا (مية مية) .. نخلةُ جدي سبيلٌ غيرُ مقيدٍ في وقف .. سُقُوطي من منتصف النخلة وأخْذِي الصفعةَ على قفاي، وأكْلنا التمرَ الذي رماه القرد آخرُ شريطٍ مسجلٍ للنخلة بُثَ في ذاكرتي وأنا أدفعُ آلةَ المشروبات الغازية المقامة على أنقاضها.

هيكلها الممثّل به مُلقى في مَزْبَلة الحارة بعدما ركب الأطفالُ سعفَها أحصنةً وقضى المراهقون لياليَ سمرٍ ملتفين حول لهيب ليفها. صاروا يدفعون ليشربوا، يُلقمون فمَ آلةِ المشروبات العُملة، تزدردُها بشراهة وتقذفهم بفضلاتها علباً مثلجةً، وقد كانوا يأكلون دون مقابل، يأكلون التمرَ حتى التخمة بالمجان.

زحزحتُ آلة المشروبات للأمام فظهر جذعُها المتفحمُ ساووا به الأرض حين أعجزهم وأحرقوه .. أتردّد عليها يومياً أشذّبها وأسوسها، أبثُّ فيها الحياة؛ قامتْ بمحاذاة مكنة المشروبات، توقّف نموُها عند المترين، وكانت قامتها تصل إلى عشرات الأمتار، أصبحنا لا نحتاج إلى حبالٍ وسلالم خشبٍ ولا إلى قردٍ نشتريه؛ عِذَاقها تتدلى وتصل إلى أيدينا، نخرف تمرها من الخلف، جرم الثلاجة يحول بيننا من الأمام. قلتُ وأنا أكوم في فمي ثلاث تمرات خلفن في يدي نَوىً ثلاثاً: عندي أمنيّتان؛ الأولى أن ندفع المكنة بعيداً عن النخلة، والثانية؛ أن ترجع النخلة إلى طولها القديم. قالوا: أن ترجعَ إلى طولها القديم مستحيلٌ؛ عتيق النخل إذا اجتثَّ وقام يتوقف عند طويل معيّن لا يتعدّاه، أما دفعُ الآلةِ بعيداً عن النخلة فهذا المستحيل الثاني؛ قضينا معها زمناً تعوّدنا فيه على المكان، وحفظ السكانُ فيه الموقع. مضغتُ التمر وقلت: (نصف البلاء ولا البلاء كله).


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة