Al Jazirah NewsPaper Monday  15/01/2007 G Issue 182
فضاءات
الأثنين 26 ,ذو الحجة 1427   العدد  182
 

هل كان أمين الريحاني عميلا أمريكيا
عبد الله الماجد

 

 

(2 - 2)

في موضوع الأسبوع الماضي، عرضنا لوجهة نظر الدكتور (محمد أنيس)، الذي اكتشف تقرير أمين الريحاني الذي بعث به أواخر عام 1923م إلى وزارة الخارجية الأمريكية، والذي حصل عليه الدكتور (أنيس) عن طريق الدكتور (محمد مرسي) رئيس مركز الدراسات والوثائق في أبو ظبي، في منتصف عام 1980م. وفي هذا الجزء الثاني من هذا الموضوع، سوف نستعرض تقرير الريحاني، وصولاً إلى الإجابة عن السؤال المطروح كونه عميلاً أمريكياً أم لا؟

تقرير (الريحاني) بعنوان: (تقرير عن شبه جزيرة العرب - الحجاز) في جزئه الأول، يخصصه للحديث عن الشريف حسين ملك الحجاز في ذلك الوقت، وعن سياسته الخارجية، ومحاولته إقامة وحدة عربية بين الأقطار العربية تكون نواتها الحجاز وشرق الأردن والعراق، وفشله في إقامة هذه الوحدة التي كان يحاول من ورائها إعلان نفسه ملكاً على العرب. والموقف البريطاني من هذه الوحدة، والشروط الإنجليزية لتقديم المساعدات له أو لأي إقليم من أقاليم الجزيرة العربية، والتي رفضها الملك حسين، ورفضه للاتفاقية التي اقترحها (لورنس) في عام 1922. ولكنه يصطدم بالقوة الناشئة في أواسط الجزيرة العربية في نجد، ويتنبأ الريحاني ببزوغ فجر هذه القوة وسيطرتها على معظم بلدان شبه الجزيرة العربية، ويصفها بأنها (أكبر قوة في شبه الجزيرة)، ولا يكتم إعجابه الشديد برجل الجزيرة القادم ابن سعود.

وفي الجزء الأخير من تقريره هذا، يتحدث عن مؤتمر العقير الذي عقد في أواخر عام 1923، الذي كان موضوعه ترسيم الحدود بين مملكة ابن سعود الناشئة، والعراق الخاضع للحماية الإنجليزية، وكذلك قضايا القبائل. ولكن قضايا البحث عن النفط التي لم تكن مطروحة في جدول أعمال المؤتمر، قفزت إلى الأحداث، وباتت محوراً من محاور المؤتمر، وشأناً مهماً بعد انتهاء المناقشات في أمور الحدود والقبائل. ويكتب الريحاني تقريراً حول ذلك ضمن تقريره الموسع عن جزيرة العرب. وقد عاد الريحاني ونشر جزءاً مما تضمنه تقريره هذا حول مؤتمر العقير في كتابه (ملوك العرب)، الذي صدر بعد تلك الأحداث بعام واحد، في مايو 1924م.

هذا هو الإطار العام لتقرير الريحاني، فهل يحمل على الاعتقاد بأنه كان عميلاً بالنظر إلى محتواه من المعلومات وأهميتها؟! إن الواقعة في حد ذاتها تقول -كما يثبت الدكتور أنيس- إن الريحاني كان يرسل بتقاريره تلك إلى الخارجية الأمريكية. في واقع الأمر، ان التقرير المنشور لم يتضمن أي معلومات ذات أهمية أو سرية في ذلك الوقت، عدا بعض الوقائع التي نعتقد مع الدكتور أنيس، أن كتب الريحاني المنشورة لا تتضمنها، ومنها مثلاً ما دونه وحلله عن أهداف الشريف حسين، من إنشاء نواة للوحدة العربية في حينها -وإن أصبحت معروفة فيما بعد- يقول الريحاني في تقريره: (كانت فكرة حسين هي إنشاء نواة وحدة عربية تضم الحجاز وشرق الأردن والعراق. لكن هدف الشريف حسين من هذا الحلف الثلاثي كان توجيه ضربة عنيفة إلى تلك القوة في وسط الجزيرة، أي ابن سعود ومملكته الوهابية. فإما تحطيمها تماماً، أو إجبارها على الدخول في هذا الاتحاد. فحسين يسعى في الحقيقة إلى إقامة (وحدة شريفية) لا (حركة وحدة عربية)، وهذا هو السبب الذي جعل الملك فيصل ملك العراق لا ينضم إلى والده وأخيه. وهناك أكثر من سبب لموقف فيصل: فهو قد عقد معاهدة مع حكام نجد (يرجع إلى التقرير حول نجد) وبالإضافة إلى ذلك، فالعراقيون لم يكونوا شديدي الإعجاب بالملك حسين). (الهلال، فبراير 2006، ص 22).

ثم ذِكره لبعض الشخصيات المهمة التي كانت مقربة من الشريف حسين وتعمل معه، وبعضهم ذو مناصب مهمة. وتحليله لتلك الشخصيات، يحمل خصائص كتابة التقارير من هذا النوع. ومن تلك الشخصيات، شخصية (ناجي الأصيل)، ويصفه بأنه شخصية مهمة، ويقول عنه: إنه كان يفاوض لحساب الملك مع وزارة الخارجية البريطانية، وقد حضر إلى جدة ممثلاً لشركة بريطانية تريد التنقيب عن المعادن والنفط في الحجاز، وشركته صاحبة نفوذ مالي وسياسي في انجلترا، ومع أنه (رجل مغامر يلعب بثقة الملك، فقد عَينه الملك (صاحب الشكوك السريعة والتصديق السريع) وزيراً، ووعده بترخيص للبحث عن النفط، إذا نجح في توقيع المعاهدة مع انجلترا. ويتتبع الريحاني شخصية (ناجي الأصيل) وما أثارته من ردود فعل، واضعًا (أي الريحاني) نفسه في قلب الحدث يقول: (ناجي الأصيل) محمدي، (هكذا في الوثيقة)، من العراق، من أصل كردي، وإبان عودته من لندن تصيدته الصحافة المصرية - التي كانت على الجملة تكره الملك حسين- لتزعم أن (ناجي الأصيل) كان يفاوض إنجلترا لتوقيع معاهدة ضد الإسلام، وأن من شأن هذه المعاهدة أن تمنح دولة مسيحية ترخيصاً في مكة، مدينة المسلمين المقدسة، للبحث عن النفط. كما اتهمت الصحافة المصرية الشريف حسين بأنه وافق على (وعد بلفور) لليهود، وبذلك خان القضية العربية في فلسطين. وقد نفت صحيفة (القبلة) جميع مزاعم الصحافة المصرية.

غير أن حقيقة موضوع الترخيص للبحث عن النفط في مكة، يمكن تتبعه من خلال معلومة كانت قد وصلت إلى من مصدر ثقة، في خطاب أرسل إلى من عدن في 19 يوليو عام 1923- بالضبط في الوقت الذي عاد فيه (ناجي الأصيل) لأول مرة من لندن - وتقول الرسالة: (إن ياسين خان قد عين ضابطاً سياسياً في مكة، وأنه قد ترك عدن منذ أسبوع ليتسلم منصبه الجديد) (الهلال، عدد فبراير 2006، ص 24).

ويكتب عن شخص آخر هو (ياسين خان)، هندي، يعمل في خدمة البريطانيين قاضياً في محكمة عدن، حصلت الحكومة البريطانية فيما بعد، على موافقة الملك حسين، لتعيينه ضابطاً سياسياً في مكة باعتباره مسلماً، ووظيفته المعلنة أن مهمته رعاية مصالح الحجاج الهنود. وهناك شخصية أخرى، هي (عارف النعماني)، وهو تاجر كبير في بيروت، شارك بفضل نفوذه وأهميته في حمل الملك على منح الإنجليز امتيازاً للتنقيب عن النفط والمعادن في الحجاز، وإنشاء خط حديدي من جدة إلى مكة، وآخر من ينبع إلى المدينة، وأن يحصل الملك بمقتضى ذلك على 40% ربحاً صافياً من أرباح تلك الشركة، لكن الملك عاد وأجل هذا الأمر، منتظراً نتيجة مباحثات (ناجي الأصيل) في لندن. وبعد أن يتحدث عن الجيش النظامي لدى الملك حسين، يُقرر أنه (بلغ من الضعف إلى درجة الصفر، والبدو الذين سلحوا، ليسوا تحت سيطرة الملك حسين)، ثم يتساءل: أين الجيش النظامي الحجازي الذي حارب في الحرب العالمية (الأولى) وهزم الأتراك؟ وفي مسألة الصراع على السيادة بين الحجاز ونجد، يؤكد الريحاني أنه لا يزال مستمراً، ويبدو أنه سينتهي مرة أخرى بقيام حرب بين البلدين.

يقول الريحاني: (وعلينا هنا أن نلحظ أن الخلاف الديني ليس هو العامل الحاسم في هذا الصراع، ولكن بؤرة الصراع بين الرجلين تكمن حول مدينتين، واحدة في شمال غرب الطائف وهي الخرمة، والأخرى في شمال شرق الطائف وهي تربه). وفي جزء من التقرير، يتحدث الريحاني عن منافس آخر غير المتنافسين التقليديين. وهذا المتنافس هو إيطاليا، يكتب الريحاني في هذا الصدد ما يلي:

(إن إيطاليا تفعل الكثير لكي تفوز بالحظوة في بلاط الملك حسين، وهي تفعل ذلك لمنافسة إنجلترا في شبه جزيرة العرب، ولمنافسة فرنسا على الساحل الجنوبي الشرقي لأفريقيا، فقد باعت للملك ست طائرات، ثم أعلنت أن الطائرات هدية لجلالته، كذلك منحته باخرتين صغيرتين كانتا في ميناء (مصوع).. تبلغ حمولة الواحدة منهما من اثنين إلى ثلاث مائة طن- وهاتان الباخرتان، تسمى واحدة (الطويل) والأخرى (رشدي) (نسبة إلى محصل الجمرك وقائد الحامية في جدة)، وهما اللذان أرسلا إلى (مصوع) لاستلامهما. والباخرتان ترفعان علم الحجاز وتجولان الساحل من جدة إلى العقبة.

وهناك معتمد بريطاني سياسي، كما يوجد ثلاثة قناصل، فرنسي وهولندي وإيطالي. وليس لديهم عمل كبير، باستثناء موسم الحج. ففيه يتحتم عليهم رعاية مصالح المسلمين القادمين للحج من مستعمراتهم (الهلال، عدد فبراير 2006، ص 52). وحديث الريحاني بعد ذلك عن مؤسسات دولة الشريف وأسرته ومستشاريه وعلى ما يبدو عليه من تفصيل موجز مما يعد جديداً بالنسبة للخارجية الأمريكية في حينه، فإن مذكرات الريحاني عن الملك حسين التي نشرها في كتابه (ملوك العرب)، لا تحتوي على ما أفصح به في تقريره هذا. وبعد مرور 83 عاماً على كتابة (الريحاني) لتقريره هذا، وبعد أن أصبح في ذمة التاريخ، يقول فيه كلمته: هل يعد الريحاني عميلاً للأمريكيين، أفشى لهم بأسرار غاية في الأهمية؟.. على ما يبدو أن الريحاني كان يؤدي عملاً قد طُلب منه، وقائع (التقرير) صريحة وأحداثه قد وقعت بالفعل، وأسلوبه وأفكاره هي أسلوب وأفكار (الريحاني)، ولا ينقص من اكتمال تلك الدلائل، إلا نشر صورة لصفحة من ذلك التقرير بخط الريحاني. وكما هو واضح لنا من استعراض التقرير، أن هناك بعض المعلومات التي تُنشر لأول مرة، ولا تتضمنها مؤلفات الريحاني، وهناك بعض أجزاء من التقرير، قام بنشرها بعد ذلك بتصرف، كالجزء الخاص بمؤتمر العقير. والمعلومات التي تضمنها التقرير، لا تبدو لأي مؤرخ أو سياسي أنها على قدر من الأهمية -ربما في هذا الوقت الذي نعيشه وبعد مرور 83 عاماً على كتابة ذلك التقرير- لكنها بالقدر الآخر، تحمل معلومات ربما كانت جديدة ومهمة في ذلك الوقت.

ويبدو أن (أمين الريحاني) حينما فكر في ارتياد المشرق العربي، ارتبط بجهة ما في أمريكا لتمويل رحلته -على الأقل في بدايتها- لقاء إمداد الهيئات السياسية في أمريكا بمعلومات عمّا يدور في الشرق العربي في ذلك الوقت - وترجيح هذا الرأي يستند على التقرير المنشور، ومازلنا في انتظار الكشف عن بقية تقارير الريحاني، التي تتضمن معلومات وأسراراً، أمد بها الريحاني الدوائر السياسية في أمريكا، حتى تتبدد الشكوك حول هذا التقرير اليتيم.

لكن ذلك لا ينفي الدور الحركي (اللوجستي) الذي قام به الريحاني لتعزيز نشوء الحركة القومية العربية المبكرة، والدور الإصلاحي الذي قام به في هذا الميدان. ولطالما أعلن في خطبه وفي كتبه عن تلك المبادئ، وها هو يقول في مقدمة كتابه (ملوك العرب):

(رافقت العرب في خروجهم على الترك أثناء الحرب، رافقتهم في المجلات الإنكليزية والجرائد العربية، فكنت أقوم فيما أكتب ببعض الواجب الذي يفرضه الحب والإعجاب. وتوفقت في تلك الأيام إلى زيارة الأندلس، فوقفت في الحمراء في الغرفة التي كتب فيها واشنطون أرفين كتابه النفيس، فسمعت أصواتًا تناديني باسم القومية ومن أجل الوطن، وتدعوني إلى مهبط الوحي والنبوة). (ملوك العرب، ص 19).

بَقي أن أشير إلى أن هذا الموضوع، اعتمد على ما نشره رئيس تحرير مجلة الهلال (مجدي الدقاق) في ثلاثة أعداد متتابعة من المجلة، ابتداء من عدد مارس 2006، تحت عنوان (وثائق الدكتور محمد أنيس)، متضمناً ما نشره الدكتور (أنيس) تحت عنوان (وثيقة خطيرة تكشف: أمين الريحاني جاسوس أمريكي!) والأيام حُبالى يلدن كل يوم ما هو خطير.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسة

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد
مواقع الجزيرة

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة