Al Jazirah NewsPaper Monday  15/01/2007 G Issue 182
فضاءات
الأثنين 26 ,ذو الحجة 1427   العدد  182
 

كلمات للعابر
حكاية الصديق الذي عرف كل شي
محمد علي شمس الدين

 

 

كان يحدثني بحماسة كبيرة عن التلوث الطبيعي، والتلوث السياسي والاجتماعي والثقافي والحرب، وفي كل شيء، حين بدأت انظر في وجهه بدقة وتمعن.

كنت قد سمعت من جارنا (حسن الفرّان) شيئاً ما مريبا عن زوجة محدّثي، وهو أن لحسن علاقة خاصة بها.

بدأت انظر، وهو يحدثني بحماسته الملحوظة في كل شيء إلى عينيه: فالعينان، كما يقال، نافذتان على الداخل، قلت لا بد من أن تعكس هاتان العينان الصافيتان غيمة ما في داخله،

توتراً ولو ضئيلاً من ناحية زوجته، طرف شك أو ريبة،

ولكن عبثاً كانت محاولتي، فعيناه كانت صافيتين مثل مرآتين صقليتين بلا أي كدر، لا هوامش في عيني الرجل ولا هوامش لأفكاره وكنت قد مهدت لذلك بسؤالي: كيف أحوال المدام؟

قال: عال. وأكمل حديثه في السياسة؟

نزلت بنظري من عينيه إلى فمه، حاولت أن التقط كلمة تنم عن شك أو احتمال شك، فما خبأ الإنسان شيئاً كما يقال، إلا وظهر على صفحة وجهه أو في فلتات لسانه، ولكن عبثاً كانت محاولتي فالرجل بدا أمامي واثق الكلمات قوي النبرة، حاسماً قاطعاً كاليقين.

قلت في نفسي: سبحان الله، وسبحان من حصّن الرجل ضد الشك والريب. وأضفت: الإيمان الأعمى يشفى.

وصعدت بنظري تلقائياً، من منطقة فمه، إلى منطقة صدغيه، بدأت أتأمل فيهما تأملاً مريباً وملحا وأقرب وجهي من وجهه ثم أبعده عنه. والحقيقة أنني كنت أنوي أن أتبين قرنين للرجل، حسبت أنهما نبتا في صدغيه، بحجم حبتي (الكاجو) أو مثل قرني زيز، فلم أفلح.

أن صدغي الرجل على العموم، أملسان، ليس فيهما سوء، لولا بعض التجاعيد القليلة على جبينه، وهي لا تشكل أكثر من خطوط قليلة رسمتها السنوات على الجبين، فليس ثمة من مجال لتلمّس أي قرن أو أي نتوء بارز في رأس محدثي.

ولما لم أتبين شيئاً في صدغيه اللامعين الأملسين، لم أستطع أن أمنع نفسي من ابتسامة غلبتني بسبب هذه الأفكار والحركات،

انتبه صديقي لهذه الابتسامة المفاجئة التي كونتها أفكاري وتخيلاتي بعيداً عن سياق الحديث مع الرجل، فسألني بدهشة: أراك تبتسم، وتحدّق في وجهي كثيراً، أترى فيما يضحك أيها الصديق؟

قال: كم أكون شاكراً لك لو وضعتني في مجرى هذه الأفكار فأضحك معك.

قلت له: كلا، معاذ الله، إنما هناك أفكار قليلة راودتني الآن، وجعلتني ابتسم.

قلت: بكل سرور.

وشرعت احكى له الحكاية التالية:

القصة يا صديقي، هي أن لي صديقاً جميل الفم واسع العينين عريض الجبين، لطيفاً ظريفاً ناعماً،

قال: هيه، وماذا في ذلك ما يضحك؟

قلت: دعني أكمل الحكاية ولا تستعجل نهايتها.

قال: أكمل، فأنا كلي إصغاء.

أردفت متابعاً: وكان لهذا الصديق الجميل الفم الواسع العينين، العريض الجبين، اللطيف الظريف الناعم زوجة حسناء لعوب.

قال: وماذا في المر مما يثير الضحك؟ أن ذلك يحصل في جميع الأمكنة والأزمنة.

قلت: اسمع مني بقية الحكاية.. فقد سمعت عنها شيئاً ما فيه ريبة، من أحد الجيران، وهذا الجار هو عامل فرن فقصدت هذا الصديق، وحاولت أن أتفرس في ملامح وجهه لكي أتبين آثار هذه الريبة، وبدأت انظر أولا في عينيه، ثم في فمه، ثم بدأت أصغي لكلماته، وأخيرا تفرست في جبينه وصدغيه، فلم ألمح شيئاً ولم يسعفني الحظ بشيء.

وكان صديقي وهو يستمع إلى الحكاية، بدأ يظهر عليه الاهتمام، ويغير معالم وجهه، ونظرات عينيه كما بدأ يتململ في جلسته فحسبت أنه بدأ يدرك أبعاد ما أرويه على مسمعه، فيأخذ الأمر على محمل الجد، بعد أن كان يأخذه على محمل الحياد أو الإغفال، ووجهت لنفسي اللوم على ما فعلت فلم يكن القصد زرع الريبة أو الشك في نفس صديقي ولا تدمير حياته العائلية التي كانت تبدو لي راضية مرضية، فلماذا ارتكبت هذه الفعلة إلى هذا الحد، يدفع الفضول المرء فيدمر لإشباع فضوله حياة الآخرين.

ولم يقطع علي شريط أفكاري غير صوت صديقي، الذي قال لي بلهجة فيها اعتداد بالنفس وابتسم ابتسامة من يعرف كل شيء. لقد عرفتُ الرجل الذي تتكلم عليه، انك تتكلم على جارنا حسن (الفرّان) ولكن قل لي بربك: من قال لك أن لي علاقة بزوجته؟

ولم يكن الرجل جملته هذه، حتى أوقفتني حكايته في الضحك، مثل من يقرأ هذه الحكاية الآن.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسة

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد
مواقع الجزيرة

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة